عمار ديوب – 10 آذار 2019
إن الثورة عملية تغيير شاملة، وما حدث بعد عام 2011 حيث الثورة الشعبية السورية، هو بداية ظهور المشكلات كافة التي لم يتشكل حولها إجماعٌ وطنيٌ عامٌ.
تكمن مشكلة سورية في أنّها حُكمت بسلطةٍ أمنيةٍ بامتياز منذ السبعينيات، ومن ثم مُنعت فيها أشكال الحريات وحقوق المواطنين السياسية كلها، وهذا ما خلق مجالًا للأوهام وللأفكار المطلقة والفئوية والذاتية، وغابت المشتركات الوطنية العامة كافة، وجاء غياب الوعي الحديث نتيجة لسيادة الوعي القديم، أي الديني والمذهبي بخاصّة، والكلام يتناول العامّ من الوعي، وليس الخاص الذي يؤكد وجود وعي حديث عند فئات مجتمعية وسياسية، وكذلك هناك فئات أخرى يلتبس وعيها بين القديم والجديد؛ إن سيادة الوعي القديم، كانت صناعة ممنهجة من النظام من ناحية، ومسنودةً على إرثٍ مجتمعي من ناحية ثانية.
الأهم، أن سورية بجغرافيّتها الراهنة، لم تكن موجودة تاريخيًا، وكانت تُعرف بسورية الطبيعية، أو جزءًا من دولة الخلافة في العصر الوسيط، وكذلك هي مكانٌ لأقوامٍ قديمة، ومنها العرب بالتأكيد، قبل الدولة العربية الإسلامية.
أقصد ليس في سورية هوية وطنية جامعة، ويتمحور حولها الشعب، حينما يتعرض لثورة داخلية أو احتلال خارجي أو أزمة كبيرة، وعدا ذلك، فإن شكل السلطة الأمنية، وضبطها القمعي للمجتمع ولعقودٍ متتالية ساعد على تفتّت الهوية السورية الحديثة، وسهَّلَ على الشعب استعادة الهويات القديمة، وكلّها غير وطنية، أي إن الثورة عملية تغيير شاملة، والتعقيدات التي واجهتها، وتحوّلها إلى حربٍ داخلية فيها طغيان للطائفية، وحرب إقليمية وعالمية، دفعت الشعب نحو ازدياد الالتباس في هويته، حيث توجد كتلة من الشعب تفضل تركيا وأخرى روسيا وأخرى إيران، وكثيرًا ما تؤدي الميول الطائفية دورًا في هذه الخيارات. هنا لا يجوز تجاهل أن مفعولات الحرب والرغبة في الخلاص، يعدّ سببًا أساسيًا، لهذا الشكل من التذرر في تعدّد الهويات والتبعية للخارج؛ وقابلية ذلك كله، للتغير حالما تنتهي الحرب، وتبدأ مرحلة الاستقرار المجتمعي مجددًا، وهذا أمر يتعلق بالمستقبل ويتطابق مع توجه الثورة الشعبية في 2011.