واثقون – كانون الثاني 2021
على الرغم من النداءات المتكررة التي أطلقها السوريون في مظاهراتهم السلمية طالبين من الأمم المتحدة ودول العالم التدخل من أجل إنهاء المأساة الإنسانية التي راح ضحيتها مئات الآلاف، إلا أن نداءاتهم جميعها لم تلق فعلاً حقيقياً يُنهِي المأساة. فمنذ نشأة الأمم المتحدة عام 1945 مارست بعض الأدوار الإيجابية في إنقاذ بعض البلدان من ويلات الحرب، عن طريق ممارسة دور الوساطة والإشراف وامتصاص الصدمات، والحث على ضبط النفس في كثير من المواقف.
لكن وبعد تسع سنوات من بداية الثورة السورية، فإن الشعب السوري يشكك في مدى فعالية الأمم المتحدة في منع وقوع إبادة جماعية وحرب مدنية شاملة. فالإخفاقات المتكررة في منع نظام الأسد من استخدام أسلحة دمار شامل ضد الشعب السوري وكذلك إخفاق المنظمة في فرض وتنظيم استجابات مجدية للأزمة الحاصلة يشكل تهديداً خطيراً لمصداقيتها عموماً وينبغي أن يكون دافعاً لإجراء تقييم ذاتي جدي داخل مؤسساتها. ولا تزال مذبحة سريبرينيتشيا التي حصلت في البوسنة عام 1995، شاهدة على أن انعدام الموارد الكافية لدى الأمم المتحدة وغياب استراتيجيات واقعية، قد يؤدي إلى كوارث إنسانية لا تُمحَى.
أيضاً كان العراق من الإخفاقات الكبيرة للأمم المتحدة، فرغم رفض مجلس الأمن عام 2003 تأييد خطط الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في غزو العراق، مع أنه كان يعكس الرأي العام العالمي، إلا أنه فشل في منع هذين البلدين من تنفيذ هجومهما. ثم أدى إلى كوارث كبيرة وعميقة على العراق والمنطقة كلها. ووُجِّه اللوم إلى الأمم المتحدة وسط هذا الصخب، مع اكتفاء الأمم المتحدة ببيانات القلق التي أصبحت مصدر سخرية في الأوساط الإعلامية والدبلوماسية على حدٍّ سواء.
لكن رغم كل السوداوية التي تحيط بالمشهد الحالي لا زال هناك إمكانية للاستفادة من بعض النقاط الإيجابية في هذه المنظومة الدولية فيما لو عرفنا بدقة ما هي الإمكانيات المتاحة وآليات العمل المتوفرة في أوساط الجمعية العامة للأمم المتحدة.
سوريا ليست الدولة الأولى التي تتحول فيها الثورة الشعبية السلمية إلى حرب مفتوحة بسبب إجرام النظام واستدعائه قوى وميليشيات أجنبية، ثم ما تلا ذلك من تدخل العديد من الأطراف الإقليمية والدولية. فهناك الكثير من دول العالم الثالث التي عانت كثيراً قبل أن تمارس الأمم المتحدة دوراً ما في إنهاء الأزمة فيها.
إن تعقيد المشهد الدولي وعجز الأمم المتحدة عن التدخل السريع والمباشر لتحقيق العدالة في البلدان المتوترة يجعلنا ندرك أن تحقيق العدالة والسلام المستدام سيحتاج منا العمل بواقعية مُرّة على الوسائل المتاحة، مستنسخين بعض بقع الضوء لحالات مشابهة للحالة السورية.
نرى في الأشهر الأخيرة كيف تعمقت حالة اللامبالاة في تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة السورية حتى على الصعيد الإغاثي البحت، حيث لوحظ استنكاف أو تباطؤ الدول في الوفاء بالتزاماتها الإغاثية المعلنة، ناهيك عن تجاهل تام لمعاقبة النظام السوري على تجاوزه الخطوط الحمراء في مجزرة الكيماوي التي حصلت في 21 آب 2013. ويستغل المجتمع الدولي مجموعة عوامل في تبرير موقفه ذاك. ومن هنا ينبغي على السوريين التركيز على ما يمكنهم القيام به بأنفسهم للدفع باتجاه إعادة البناء الداخلي وبدء الخروج من الأزمة، دون إهمال التعامل مع تلك العوامل المعطلة للدور الدولي الفعال وإزالتها تدريجيا.
سوريا هي الدولة الأولى عالمياً في عدد اللاجئين، فهناك الملايين من اللاجئين السوريين متواجدون حول أنحاء العالم. تختلف ظروف كل لاجىء بحسب بلد إقامته، ويشكل هؤلاء اليوم ما يقارب نصف الشعب السوري، قد يشعر الكثير منهم بحقهم في المشاركة في العملية السياسية من أجل توفير بيئة آمنة لعودتهم إلى ديارهم بأمان وكرامة.