مستقبل العمل السياسي للنساء السوريات
لا شك أن الثورة السورية قد فتحت المجال أمام النساء ليأخذن زمام المبادرة للمشاركة في عملية التغيير، بعد عقود من الزمن لم تنل فيها النساء سوى التهميش والإقصاء وغياب الحقوق، حيث أن التغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها سوريا في السنوات الأخيرة قد فتحت آفاقاً جديدة وفرصاً محتملة لمشاركة أكبر للمرأة في مختلف مجالات الحياة. وسعت المرأة إلى إثبات أهمية دورها ووجودها بوصفها جزء لا يتجرأ من المجتمع السوري، تَرافق ذلك مع توجه أممي يشجع النساء على المشاركة حتى في العملية السياسية والانخراط فيها، وظهور دعوات لزيادة تمثيل النساء في عمليات صنع القرار السياسي، لا سيما وأن المشاركة النسائية السياسية كانت محدودة في ظل حكم نظام استبدادي قمعي لم تخرج النساء فيه من الحالة النمطية سواء على المستوى المجتمعي أو مستوى البيئة السياسية الذكورية التي كانت تتصدر المشهد السوري.
إيمان بالنساء أم إرضاء للداعم
مع تقدم سنين الثورة أصبح التوجه العام نحو تعزيز مشاركة النساء أكثر وضوحاً على المستوى الدولي، وأصبحت منظمات المجتمع المدني تتبع هذا التوجه في العمل على تمكين النساء ورفع قدراتهن بهدف إيصالهن لمواقع صنع القرار سواء في سوريا الثورة وسوريا المستقبل، فعلى المستوى المحلي وخلال السنوات الثلاثة الأخيرة خصوصاً أصبحت مشاريع وبرامج التمكين السياسي للنساء تأخذ الحيز الأكبر، وأصبح تواجد النساء السوريات ملحوظاً سواءاً في الأجسام والتشكيلات السياسية أو المؤتمرات والاجتماعات على المستوى المحلي، مع ذلك ما زلنا نلاحظ بأن أسلوب التعاطي تجاه تواجد النساء لا يختلف كثيراً عن الأسلوب الذي كان يمارس قبل الثورة، لكن بطرق مختلفة، وهذا ناتج عن عدم انتفاء القناعات القديمة لدى المجتمع تجاه النساء والتي تربطهن بالأدوار النمطية التي لا يجوز لهن الخروج عنها، وناتج أيضاً عن عدم إيمان حقيقي بقدرة المرأة لا سيما ممن يتصدرون شعار تمكينها، إذ أنهم في أحسن الأحوال يعتبرون النساء أحد الموارد الهامة في استجلاب الدعم من خلال المشاريع والبرامج المخصصة لتمكين النساء، ويدل على ذلك بأن الحديث عن مشاركة النساء الفاعلة في الحياة العامة يكون فقط في المحافل الدولية والإقليمية لإقناع المجتمع الدولي بأن النساء السوريات على المستوى المحلي لهن وجود في مختلف مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وذلك بهدف إرضاء المجتمع الدولي. في الواقع ما تزال النساء بعيدات كل البعد عن هذا فلا نجدهن يتقلدن مناصب ذات أهمية في مؤسسات تعتبر من نتاج ثورة الحرية كالمجالس المحلية ووزرات الحكومة المؤقتة، وإن إعطاء هذه الصورة غير الواقعية عن النساء ناتج كما أسلفت عن نظرة مجتمعية نمطية لعدم قدرة المجتمع على أن يرى المرأة إلا ربة منزل أو معلمة في المدراس أو طبيبة نسائية، وبالمقابل يتم النظر لأي دور سياسي أو اجتماعي أو حتى إعلامي يناط بالمرأة بنوع من الاستخفاف أو السخرية في أحسن الأحوال!
جهود منظمات المجتمع المدني
سعت منظمات المجتمع المدني إلى تركيز الجهود ووضع الخطط والاستراتيجيات للعمل على تمكين النساء، وبناء قدراتهن لاسيما في المجال السياسي من خلال البرامج والمشاريع المتنوعة سواء في الداخل السوري أو الخارج. وتنوعت المواضيع التي تم التطرق لها بهدف رفع الوعي السياسي للنساء من خلال زيادة معارفهن بالقوانين والاتفاقيات الدولية ودساتير الدول المختلفة، وما تضمنه هذه الدساتير من واجبات وحقوق للرجال والنساء، إضافة إلى تدريبات متعددة حول الانتخابات وآلياتها والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية والتجارب النسائية المتنوعة في تلك الدول، وبغض النظر عن قدرة هذه المشاريع والبرامج على تحقيق أهدافها، إلا أن لها أثر كبير في زيادة وعي النساء السوريات. ومما لا شك فيه بأن الوعي السياسي الذي حصلن عليه لا يقارن بما كنّ عليه قبل اندلاع الثورة السورية.
المجتمع وطموحات النساء
مع ازدياد الوعي السياسي للنساء ووجود العديد من الأصوات الداعمة لهن، إلا أن النظرة المجتمعية ما زالت متمسكة بالصورة النمطية للمرأة السورية، بل وتحاول أن تُبقيها كما كانت عليه قبل الثورة السورية. ويدعم هذه النظرة العديد من التيارات الفكرية التي ترفض أن يكون لهنّ أي دور سياسي في مستقبل سوريا، وعلى الرغم من تواجد بعض النساء في الأجسام السياسية التي تمثل المعارضة السورية وتضم في صفوفها تيارات فكرية تشجع النساء على الانخراط في معترك السياسية، إلا أنه وحتى ضمن هذه الأجسام لا تلقى النساء الدعم الكافي لممارسة نشاطهن السياسي، وهذا يدل على أن عملية التغيير لا تقتصر على دخول النساء عالم السياسية، بل إن التغيير الحقيقي سيكون في تغيير النظرة المجتمعية تجاههن، وهذا يتطلب المزيد من الجهود تجاه تمكين النساء سياسياً، ودعم القيادات النسائية إلى جانب العمل على تغيير العقليات والتصورات النمطية من خلال حملات توعية وتثقيف تستهدف جميع شرائح المجتمع مما يساهم في خلق بيئة ملائمة يمكن للنساء من خلالها مواجهة مختلف التحديات والتيارات الفكرية التي تحاربهن أو ترفضهن، كما يُمكِنهن المحافظة على المكاسب التي حصلن عليها، وإن كانت مكاسب يسيرة بالنسبة للطموحات المنشودة على أمل أن تتحقق تلك الطموحات في سوريا المستقبل.
ختاماً
إن ما يضمن للنساء دور سياسي في مستقبل سوريا هن النساء أنفسهن، فما يتمتعن به من قوة يمكنها تحويل المعوقات إلى فرص وتحقيق التغيير المنشود برغم العقبات المجتمعية، من خلال الاستمرار والسعي نحو التعلم وزيادة الوعي السياسي، وفهم حقوقهن ودورهن في المجتمع، والمشاركة الفاعلة في منظمات المجتمع المدني أو التجمعات والشبكات النسائية والتي تعتبر بيئة هامة تمكنهن من التعبير عن آرائهن والمشاركة في صنع القرار، وتتيح لهن الفرصة لتعلم المهارات المتنوعة مما يزيد من قوتهن وقدراتهن المعرفية التي تضمن لهن مكانة ودرواً فاعلاً في مستقبل سوريا.