قضية المعتقلين من المعارضين في سجون النظام السوري: وجهة نظر إنسانية وقانونية
يمتلك النظام السوري سجلا أسوداً في ملف حقوق الإنسان، وتعد مشكلة المعتقلين من المعارضين في سجونه واحدة من القضايا الإنسانية والحقوقية المزمنة التي بدأت مع وصول العسكر إلى السلطة في البلاد، و ازداد حجمها إبان أحداث الثمانينات، و قمع النظام لجماعة الإخوان المسلمين المعارضة له، ولكنها باتت أكثر إلحاحاً وتعقيداً بعد قيام الثورة السورية في العام ٢٠١١ والصراع الذي تلاها، والمستمر إلى الآن. هذه المشكلة تتجاوز كونها مجرد قضية حقوقية أو قانونية لتصبح جرحاً نازفاً في نسيج المجتمع السوري تمتد آثاره إلى جميع جوانب الحياة.
الإحصائيات وظروف الاعتقال
وفقاً لتقارير المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية يقدر عدد المعتقلين في سجون النظام السوري بعشرات الآلاف جلّهم من النشطاء السياسيين والصحفيين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى مواطنين عاديين تم اعتقالهم لمجرد الشبهة أو بسبب التعبير عن آرائهم المعارضة.
يُحتجز هؤلاء المعتقلين دون الاعتراف بإعتقالهم أو توجيه تهم رسمية لهم أو عادلة، بالتواصل مع عائلتهم وسط ظروف اعتقال كارثية تتراوح بين احتجازهم في زنازين ضيقة مظلمة، وممارسة التعذيب الجسدي والنفسي والتصفية الجسدية بحقهم، وحرماتهم من الطبابة و الغذاء الكافي، مما يؤدي إلى إصابتهم بأمراض مزمنة أو وفاتهم دون إبلاغ ذويهم بوفاتهم، أو تسليم جثامينهم لهم، وعليه فإن الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة في السجون السورية تشكلان استراتيجية حكومية ممنهجة تهدف إلى قمع أي شكل من أشكال المعارضة وترهيب المجتمع بأسره.
المعتقلات النساء
تعتبر قضية النساء المعتقلات في سجون النظام السوري من أكثر الجوانب مأساوية في هذه القضية. وتتحدث العديد من النساء اللواتي خرجن من السجون السورية عن تجارب مروعة من الانتهاكات الجسدية والنفسية والعنف الجنسي والتحرش والإذلال، هذا العنف لا يهدف فقط إلى قمع المرأة كفرد، بل يمتد ليكون أداة لكسر الروح المعنوية للمجتمع بأسره، بالإضافة إلى ذلك يعاني الأطفال الذين يُحتجزون مع أمهاتهم، أو أولئك الذين تُعتقل أمهاتهم من آثار نفسية واجتماعية عميقة، إضافة لوصمة العار الاجتماعية التي تلاحقهن وتلاحق ذويهن بعد الإفراج عنهن بسبب تعرضهن للاغتصاب داخل المعتقلات.
الآثار الإنسانية
تعاني الأسر السورية التي لديها أفراد معتقلون من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية مدمرة تجعل هذه الأسر تعيش في حالة من القلق المستمر على مصير أبنائها، مما يزيد من حالات الاكتئاب والقلق والتوتر النفسي، حيث يلقي فقدان أحد أفراد الأسرة وخاصة إذا كان المعيل الأساسي، عبئاً اقتصادياً هائلاً على الأسر يدفع بعضها إلى الفقر والحرمان والتشرد والتفكك، كما يؤدي غموض مصير المعتقل و جهالة حياته من مماته إلى خلق معضلات اجتماعية مثل عجز الزوجة عن طلب التفريق منه مهما طالت فترة اعتقاله، وبالتالي حرمانها الزواج من غيره لأن القوانين المطبقة لا تسمح بذلك لعدم ثبوت وفاته، وإمتناع سلطات النظام إعطاء شهادة وفاة لذويه، كما يؤدي عدم تسجيل وفاته في السجل المدني إلى استحالة تصفية تركته وحصول ورثته على حقوقهم في الميراث.
إضافةً لذلك يعاني المعتقلون الناجون من آثار نفسية وجسدية طويلة الأمد، تجعل من الصعب عليهم العودة إلى حياتهم الطبيعية والاندماج في المجتمع من جديد، وتتطلب عملية التعافي من هذه الصدمات توفير الدعم النفسي والطبي المناسبين، وهو ما يفتقر إليه العديد من الناجين.
الآثار القانونية
تشكل الاعتقالات التعسفية وانتهاكات حقوق المعتقلين في سجون النظام السوري خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فالاتفاقيات الدولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحظر الاعتقال التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة، كما أن اتفاقيات جنيف تنص على حماية حقوق المعتقلين في النزاعات المسلحة، وهو ما ينطبق على الوضع في سوريا.
لم يظهر النظام السوري التزاماً حقيقياً بهذه الانفاقيات الدولية، وأنكر وجود أي انتهاكات في سجونه، مما يضع المجتمع الدولي أمام ضرورة اتخاذ خطوات جدية للمساءلة والمحاسبة لأن غيابهما يشجع على استمرار الانتهاكات وتفاقمها.
وبالمقابل فشلت الهيئات الدولية بما في ذلك مجلس الأمن الدولي في اتخاذ إجراءات فعالة لإنهاء هذه الانتهاكات، مما يعكس عجز المجتمع الدولي عن فرض احترام القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان في حالات النزاع.
الحاجة إلى الحلول
لمعالجة مشكلة المعتقلين في سجون النظام السوري يجب على المجتمع الدولي والحكومات والمنظمات الحقوقية اتخاذ خطوات جادة ومؤثرة يجب أن تشمل الضغط على النظام السوري للإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وفرض عقوبات على مرتكبي الانتهاكات واحالتهم إلى محكمة الجنايات الدولية وتوفير الرعاية الطبية والنفسية اللازمة للناجين وضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
كما ينبغي تعزيز دور القضاء الدولي والمؤسسات الدولية في متابعة هذه القضايا، والعمل على إنشاء آليات تحقيق ومحاسبة فعالة كما حصل في محاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة، لأن تحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين سيشكل خطوة حاسمة نحو الحل وبناء السلام في سوريا.
في الختام، فإن مشكلة المعتقلين من المعارضين في سجون النظام السوري ليست مجرد قضية حقوقية، بل هي أزمة إنسانية وقانونية تؤثر على المجتمع السوري بأسره. و تتطلب هذه الأزمة استجابة دولية قوية وحازمة لضمان الإفراج عن المعتقلين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، والعمل على بناء مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية للشعب السوري.