نهى سيد، 08 مارس 2022
لم تلعب النساء في التاريخ الإسلامي دوراً حيوياً في تشكيل مسار الإسلام فحسب، بل في حياة المسلمين حتى اليوم. من خلال خلق مساحات قوية لمشاركة المرأة في نمو وفهم الدين، فإننا كمجتمع ندين لإرثهن الملهم.
المرأة وتأثيرها في المجتمع الإسلامي
تُعد مُثُل التضحية والحب والإيمان والتفاني والذكاء موضوعاتٍ أساسيةً في كل حياة هؤلاء النساء، وبروح تذكر أولئك اللاتي ساعدن في تغيير مجرى التاريخ: إليكم تسع صحابيات -وفقاً لكتاب “صحابيات حول الرسول”، للكاتب محمود المصري- يُعدَدْنَ أمثلة لبعض النساء الأكثر نفوذاً في الإسلام والتاريخ.
1 – خديجة بنت خويلد
كانت السيدة “خديجة بنت خويلد” الزوجة الأولى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تزال واحدة من أقوى الشخصيات وأكثرها إلهاماً في التاريخ الإسلامي. يُشار إليها باسم “أم المؤمنين”، وغالباً ما يتم الثناء عليها لتمويلها ودعمها النبي والإسلام في أيامه الأولى، ولا تزال حتى الآن واحدة من أقوى النساء في التاريخ. كانت امرأة ثرية بحد ذاتها، سيدة أعمال وتاجرة تدير تعاملاتها التجارية الخاصة في جميع أنحاء المنطقة. في الأصل وظَّفت النبي (قبل أن ينزل القرآن). كانت “خديجة” نفسها هي التي يُقال إنها اقترحت فكرة الزواج منه. فاجأها الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل الدعوى وحبها، ولم يتزوج مرة أخرى إلا بعد وفاتها. وعندما توفيت عام 620م، قيل إن الرسول قد حفر قبرها بنفسه.
2- عائشة بنت أبي بكر
السيدة “عائشة” هي إحدى زوجات الرسول بعد وفاة السيدة “خديجة”، وقد تم اعتمادها بسرد أكثر من 2000 حديث، و أقوال وأفعال للنبي محمد. يواصل العديد من المسلمين حتى يومنا هذا اتباع العديد من الأحاديث النبوية التي روتها السيدة “عائشة” بنفسها، سواء في الحياة الخاصة للنبي أو سنته، وكذلك في الأمور الدينية الأخرى مثل الميراث والحج وغير ذلك. كانت معروفة من قبل مجموعات معينة أن لديها نطاقاً واسعاً من المعرفة. تأثرت “عائشة”، وهي ابنة “أبي بكر الصديق” رضي الله عنه أقرب الصحابة، بشدة بدور والدها في الأيام الأولى للإسلام. ومع ذلك، ظل دورها المثير للجدل في معركة الجمل، التي شهدت انخراطها في معارضة “علي بن أبي طالب”، ابن عم النبي “محمد” والخليفة الرابع، موضع خلاف حول دورها داخل الأمة المسلمة. توفيت عائشة عام 678م في المدينة المنورة.
3- حفصة بنت عمر
كانت السيدة “حفصة بنت عمر” إحدى زوجات الرسول “محمد” صلى الله عليه وسلم، وقد تم اعتمادها في حوالي 60 حديثاً، و أقوال وأفعال الرسول. بعد أن أصبحت أرملة بعد وفاة زوجها الأول “خنيس بن حذافة”، عُرضت “حفصة” على الزواج من كل من “عثمان” و”أبو بكر”، صحابة النبي “محمد”. كلاهما رفض يد “حفصة” للزواج، لكن الرسول تدخل وتزوجها بعد أن أصبحت أرملة بعام. بعد زواجها من النبي “محمد”، حفظت حفصة القرآن بأكمله، والذي كان في ذلك الوقت نصاً شفهياً فقط ولم يتم تدوينه. ألهم هذا العمل الفذ الرائع العديد من الأخريات من النساء، لتعلم وحفظ القرآن الكريم أيضاً. بعد إصدار أول شكل مكتوب من القرآن، تم تسليم النص إلى “حفصة” لحفظه حتى قام “عثمان بن عفَّان” رضي الله عنه بتوحيد نسخة القرآن. يمكن القول إن الفضل يعود جزئياً إلى حفصة في الحفاظ على القرآن بشكل جميل.
4- فاطمة بنت محمد
السيدة “فاطمة”، هي ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من زوجته “خديجة”. كانت على درجة عالية من الذكاء، ظل إيمانها وتفانيها في الله قوياً بشكل ملحوظ -على الرغم من كونها شاهدة على بعض أكثر الأيام صعوبة في بداية الإسلام. كان للنبي الكريم “محمد” وابنته فاطمة علاقة محبة وثيقة، قيل إنه في كل صباح في طريقه إلى المسجد كان يمر ببيت “فاطمة”، ويصيح “السلام عليكم يا أهل بيت الرسول وجوهر الرسالة”. كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن حبيبته فاطمة: “من جرح فاطمة جرحني؛ ومن جرحني يضر الله. ومن جرح الله فقد كفر. يا فاطمة! إذا كان فيك غضبك فإنه يغضب الله. وإن كنت مسرورة يسر الله أيضاً”. دعمت والدتها وأباها، وتزوجت علياً بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وأنجبت في المجموع خمسة أولاد: “الحسن” و”الحسين”، “زينب”، و”أم كلثوم”. على الرغم من عيشها حياة قصيرة، إلا أن تأثير السيدة “فاطمة” على المجتمع الإسلامي يظل من أقوى التأثيرات في تعاليم الإيمان والولاء والتواضع والقوة. يقال إنها توفيت عام 632 بعد الميلاد، ووفقاً لوصيتها دفنها زوجها في قبر غير مميز.
5- نفيسة بنت الحسن
اشتهرت ابنة حفيد النبي “محمد” صلى الله عليه وسلم، “نفيسة بنت الحسن”، بتفانيها وذكائها، حتى أنه تم تسمية مسجد على اسمها في القاهرة. بعد أن أمضت معظم حياتها في مصر، أصبحت السيدة “نفيسة” واحدة من أكثر العلماء رواجاً في عصرها، حتى أنها قامت بتدريس اثنين من أبرز العلماء في ذلك الوقت؛ “أبو عبد الله محمد إدريس الشافعي” و”أحمد بن حنبل”. تؤدي تعاليم “الشافعي” و”ابن حنبل” بدورها إلى اثنتين من المدارس الفكرية السنية الرئيسية، المدرسة الشافعية للفكر والمذهب الحنبلي. حفظت القرآن والعديد من الأحاديث النبوية منذ سن مبكر. ظلت “نفيسة” واحدة من أكثر الأشخاص إلهاماً في عصرها فيما يتعلق بالفقه الإسلامي وعلم الكلام. كما ورد أنها صامت أثناء النهار وكانت تصلي معظم الليل، بينما أدت الحج أيضاً ما يقرب من 30 مرة طوال حياتها. باعتبارها واحدة من أكثر الأمثلة إلهاماً للمرأة في الدراسات الإسلامية، تعتبر السيدة “نفيسة” تذكيراً قوياً بأهمية وضرورة وجود المرأة في التعليم الإسلامي ومجالات الفقه.
6- سمية بنت خياط
اشتهرت “سمية بنت خياط” بالشهيدة الأولى في الإسلام، وكانت من أوائل الذين تحدوا علانية قادة قريش في ذلك الوقت وقتلت بسبب إخلاصها لله. وُلدت “سمية” أمة ثم أُطلق سراحها في وقت لاحق من حياتها. وتزوجت من “ياسر بن عامر”، وكانت من أوائل العائلات التي اعتنقت الإسلام. كونها تنتمي إلى عائلة صغيرة لا تربطها أي صلات بالنخب القوية أو الروابط القبلية، كان يُنظر إليها وعائلتها على أنهم أهداف سهلة من قبل قبائل قريش الرائدة التي كانت تضطهد المجتمع الإسلامي المتنامي. بعد تعرضها للاختطاف والتعذيب، أُعطيت “سمية” الفرصة للتخلي عن إيمانها الجديد بالإسلام ورفْضِ النبي “محمد”. وعندما رفضت ذلك، أمر “أبو جهل”، القيادي المكي قتل “سمية” بسبب إيمانها بالإسلام. لا تزال “سمية” واحدة من أكثر الأمثلة المأساوية والملهمة للمرأة القوية في التاريخ الإسلامي، على الرغم من التهديد بالتعذيب والموت، رفضت “سمية” التراجع في وجه الاستبداد والظلم. على الرغم من أن ذلك كلفها حياتها، إلا أن إرثها وتفانيها لا يزالان يلامسان قلوب وحياة المسلمين اليوم.
7- أم الدرداء الصغرى
تُعد “أم الدرداء” واحدة من أهم العالمات وأكثرهن نفوذاً في التاريخ الإسلامي، ويُقال إنها شخصية قوية منذ طفولتها المبكرة في أوائل القرن السابع. رفضت “أم الدرداء” الالتزام بالمعايير الثقافية بين الرجل والمرأة، حيث كانت تصلي في صفوف الرجال في المساجد، فضلاً عن جلوسها بين أقرانها الذكور أثناء دراسات القرآن. بعد أن أصبحت فقيهة وعالمة إسلامية ومدرسة للحديث، ذهبت “أم الدرداء” لإلقاء محاضرة في مسجد دمشق، حيث كانت تُعلِّم الرجال والنساء في الغرفة نفسها. وكان من أشهر طلابها الخليفة الأموي “عبد الملك بن مروان”، والباحث والقاضي “حسن البصري”. لا تزال “أم الدرداء” تُذكَر كواحدة من أكثر باحثات التاريخ الإسلامي تأثيراً وتأثراً.
8- فاطمة السمرقندي
ولدت “فاطمة السمرقندي” في القرن الثاني عشر فيما يُعرف الآن بأوزبكستان، وكانت واحدة من أكثر العلماء والفقهاء احتراماً في عصرها، حتى أنها أصدرت فتاوى خاصة بها. كان إتقانها للفقه الحنفي والعلوم وراء الحديث النبوي، ونقلها لحديث النبي محمد من أكثر الأحاديث الموثوقة. سافرت على طول الطريق إلى سوريا، وعلَّمت الطلاب والطالبات على حد سواء، وعملت أيضاً كمستشارة شخصية للحاكم الشهير “نور الدين زنكي”. ظلت محاضراتها ونصائحها وفتاواها مؤثرة بشكل لا يصدق ليس فقط في وطنها، ولكن في جميع أنحاء العالم الإسلامي أيضاً. على الرغم من أن العديد من الملوك والأمراء كانوا يلاحقونها من أجل الزواج، إلا أنها تزوجت في النهاية من أحد طلاب والدها، “علاء الكاساني”، أحد كبار فقهاء الحنفية في عصرها. وبحسب المؤرخين، فقد لعبت دوراً كبيراً في عمل “الكاساني” أيضاً، حيث كان تقديره لها كبيراً لدرجة أنه لم يقبل التوقيع على الفتاوى التي يصدرها حتى توقعها فاطمة أولاً. لا تزال “فاطمة السمرقندي” مثالاً قوياً على دور المرأة في الفقه الإسلامي، والمنح الدراسية، ونقل الأحاديث.
9- السيدة أسماء بنت أبي بكر
السيدة “أسماء بنت أبي بكر” (ذاتُ النطاقين) رضي الله عنها، لها قصة من أجمل القصص الإسلامية. فهي بنت الصحابي “أبي بكر الصديق” والأخت الكبرى للسيدة “عائشة” زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولدت السيدة أسماء، قبل الهجرة بحوالي ثلاث وعشرين سنة. كان لها الكثير من الخصال والمواقف فقد ضُرب بها المثل في الشجاعة والقوة، كما كانت محدثة، ورعة راضية، كريمة سخية، صابرة محتسبة. من أبرز مواقفها، كانت أثناء هجرة المصطفى مع أبيها. كانت تجهز لهما طعام السفر، فلم تجد ما تربط به الطعام، فشقَّت خمارها نصفين وربطت في أحدهما الطعام وارتدت الآخر، فرُوي أن النبي قال لها: “أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة”، فسُميت بذات النطاقَين. عاشت السيدة “أسماء”، حياة صعبة خشنةً بعد زواجها من سيدنا “الزبير بن العوام” رضي الله عنه؛ إذ كان فقيراً لا يملك غير فرسه، وكان في طبعه شدة وكان يغار عليها، فكانت السيدة “أسماء” تعتني بالفرس وتعلفه وتدق النوى. وقد روت رضي الله عنها حوالي 58 حديثاً عن النبي، منها ثلاثة عشر حديثاً متفق عليه، وانفرد البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بأربعة.