دور المرأة العربية في الحياة السياسية

شحاتة غريب. 04 ديسمبر 2014

ترسم بعض الدول العربية في هذه الفترة، ملامحها السياسية، من خلال الانتخابات التشريعية التي تُجرى بها، ولعلها الفرصة العظيمة الممنوحة للشعب، ليبرهن على حبه، وولائه، لوطنه، من خلال إيمانه، وإصراره على المشاركة بنسب عالية في هذه الانتخابات

شحاتة غريب. 04 ديسمبر 2014

 

ترسم بعض الدول العربية في هذه الفترة، ملامحها السياسية، من خلال الانتخابات التشريعية التي تُجرى بها، ولعلها الفرصة العظيمة الممنوحة للشعب، ليبرهن على حبه، وولائه، لوطنه، من خلال إيمانه، وإصراره على المشاركة بنسب عالية في هذه الانتخابات، ضارباً بعرض الحائط، كل العقبات، والموانع، التي تحول بينه وبين تعزيز قيم المشاركة السياسية، واضعاً أمامه مصلحة وطنه، وأنها المصلحة الأجدر بالرعاية، بالمقارنة مع أي مصالح أخرى.

والمرأة العربية التي تمثل نصف هذا الشعب، تعيش حالة من النضج السياسي، لما تقدمه لها، المجالس، والمراكز، المعنية بشئون المرأة، من دورات تدريبية مكثفة، ومؤتمرات، وندوات، وكتب، وكتيبات، ونشرات، تهدف إلى النهوض بالمرأة، وتمكينها، وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة.

ورغم هذه الحالة من النضج السياسي التي تعيشها المرأة، أعتقد أن قضية النهوض بها، تُعد من أعقد، وأصعب، القضايا في مجتمعاتنا الشرقية، نظرا لوجود العديد من العناصر الحاكمة، والمؤثرة، على مسألة الإعتراف بمشاركة المرأة، وبأن يكون لها دوراً بارزاً في المجتمع، كعدم إيمان البعض بدور المرأة خارج النطاق الأسري.

ولذلك كرست المجالس، والمراكز، المتخصصة في قضايا المرأة، كل وقتها، وجهدها، للنهوض بالمرأة، وعدم تركها ضحية، لعادات، وموروثات خاطئة، لا تمت بصلة إلى الأحكام، والتعاليم الدينية، لكنها تأخذ في حسبانها فقط اعتبارات التعصب، والتشدد، من دون تأسيس الأراء، أو الأحكام على أسس شرعية سليمة، تتفق وصحيح الشرع، لكنها تتفق فقط مع أهواء البعض، ومعتقداتهم، ونظرتهم للحياة بشكل عام.

وتكون قضية دور المرأة في الحياة السياسية شاملة، ولا تقتصر على ملمح معين من ملامح هذه الحياة، فهي تشمل حقها في التصويت في الانتخابات، لمن تراه صالحا، وقادرا على العطاء، وحقها في الترشيح لتمثيل الشعب في المجالس النيابية، والبلدية، وحقها في تولي الحقائب الوزارية.

وكي تتمتع المرأة بقدر مهم من المشاركة في الحياة السياسية، يجب أن نضع في حسباننا عدة اعتبارات مهمة، منها.

أولا: الاعتبار التعليمي والثقافي: حيث يجب الاهتمام بقضية تعليم المرأة، وتوعيتها، بأن تدرس، وتتعلم، حتى تحصل على أعلى الدرجات العلمية، وألا تكتف بالقراءة، والكتابة فقط، أو الاكتفاء بدرجة دنيا من التعليم، ثم يبدأ التأثير عليها، من خلال إغراءات سيتضح وهمها، وزيفها، وكذبها، فيما بعد، لإخضاعها لفكرة الزواج في سن مبكرة، رغم خطورة هذا الأمر على صحتها العامة، وحتى على صحتها الإنجابية بوجه خاص.

فهناك العديد من البنات اللاتي لا يعرفن استكمال مسيرتهن التعليمية، بسبب الزواج المبكر، والدخول في دائرة المشكلات المجتمعية، والأسرية، مما يحول بينهن وبين صفاء الذهن، والفكر، لإستكمال المشوار التعليمي.

فقضية تعليم المرأة تُعد من القضايا الرئيسية، في عملية التنمية بوجه عام، وليس في مجال التنمية السياسية فقط، ولذلك حرصت المواثيق الدولية، والصكوك الحقوقية، والدساتير الوطنية، على تدعيم الحق في التعليم، وترسيخه، وتعزيزه، لأن العلم هو أساس تقدم الشعوب.

وللأسف الشديد، ما زال البعض يؤمن بأن منزل الزوجية هو المكان المناسب للمرأة، ولا مكان لها خارج هذا المنزل، وأن دورها في الحياة السياسية، ما هو إلا وهم، وتقليد للغرب، وبما يخالف الأحكام الشرعية، على حد تعبيرهم.

كما يكون البُعد الثقافي مهما للغاية، فهناك عدة موروثات ثقافية خاطئة، وعلى الرغم من تعزيز التشريعات القانونية للمسائل التي تساهم في بناء مجتمع قوي، ومتماسك، وأن هناك خطوط حمراء لا تمس، إلا أن هناك مَن تجاوز هذه الخطوط الحمراء، وما زال ينظر إلى المرأة كمجرد جسد بلا روح، وأنها غير مؤهلة للمشاركة في الحياة الثقافية، أو غيرها، وان كل فنونها تنحصر فقط في المنزل ولوازمه.

ولذلك يتعين على المؤسسات الوطنية، ومنظمات المجتمع المدني، أن تقوم بدور فعال، في نشر الوعي بأهمية مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وإتاحة الفرص المتكافئة في طريقها، كي يتم تمكينها، وتدعيمها، ومساندتها في المشاركة في الحياة العامة، وصناعة القرار، وخاصة في ظل قدرتها، وتمتعها، بالعديد من الإمكانيات، في المساهمة في وضع الخطط، والاستراتيجيات، التي توفر حلولا للمشكلات، ولمعظم القضايا المجتمعية.

ثانيا: الاعتبار الاجتماعي والاقتصادي: حيث ما زالت المرأة العربية تعاني من مشكلات اجتماعية، واقتصادية، قد تعوقها عن المشاركة بفاعلية في الحياة السياسية، وهذا يتطلب المزيد من الجهود لمساندتها، وتشجيعها على المشاركة، ولن يكون ذلك فقط من خلال الخطب، والمحاضرات، والأوراق المقدمة إلى مؤتمرات، أو ندوات، ولكن من خلال خطط عملية، وواقعية، ووضع آليات لتنفيذها على أرض الواقع.

فكثير من النساء يعشن مشكلات اجتماعية، واقتصادية ضخمة، بسبب حالات الطلاق المتزايدة، وتنوع الأزمات المادية، التي قد تصل إلى حد عدم وجود الوجبات الغذائية اليومية، مما يضطررن إلى الإنشغال بتوفير المستلزمات الأساسية، وعدم التفكير في الشأن السياسي، أو المشاركة فيه، فكيف يفكرن في الحياة السياسية، وهن بلا مأوى، أو بلا غذاء؟! وكيف يفكرن في الشأن العام، وهن ضحية إهمال مجتمعي، أدى بهن إلى البحث المتواصل عن أدنى متطلبات الحياة؟.

فكم من القضايا المرفوعة على المرأة في بعض المحاكم العربية، بسبب ديونها التي تراكمت عليها، بسبب عمليات الاقتراض التي تقوم بها، رغم فوائدها المرتفعة، لاستغلال حالة العوز والحاجة التي تمر بها، لتوفير الحدود الدنيا من المعيشة، والتي لا يمكن وصفها بالحياة الكريمة.

فكيف تشارك المرأة في الحياة السياسية، وهي مُعرضة للسجن في أي لحظة، تنفيذا لما يصدر ضدها من أحكام بسبب الديون التي عليها؟! وكيف تشارك المرأة في الحياة السياسية، وهي ضحية مجتمع، لم يسعَ إلى وضع الحلول المبتكرة، لقضايا المرأة المالية، ومساعدتها في تذليل العقبات، والقضاء على المخاوف الاقتصادية؟.

ولذلك يجب أن تحظى قضايا المرأة التعليمية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، بأولوية في أجندة الدول، والحكومات، وفي أجندة منظمات ومؤسسات المجتمع المدني، حتى يمكن لها المشاركة بفاعلية في الحياة السياسية.

ولا يقتصر دور المرأة في الحياة السياسية على مجرد متابعة الشأن العام، ومعرفة آخر المستجدات، والتطورات، التي حدثت في المجتمع، ولكن ينبغي أن نتجاوز هذا الحد، وأن نمكن المرأة من الترشح للمجالس النيابية، والبلدية، وتقلد أرفع المناصب في الحياة السياسية.

ولن يكون ذلك إلا من خلال دراسة المقترحات الآتية.

أولا: الجانب التشريعي: حيث يجب إعداد وسن التشريعات، التي تهتم بقضايا التمييز الايجابي للمرأة، وأن تضمن لها هذه التشريعات، حداً أدنى من التمثيل في البرلمان، وألا تكون هذه التشريعات مؤقتة بفترة زمنية معينة، بحجة إعطاء الفرصة لتمكين المرأة، ومساعدتها في الاندماج في الحياة السياسية، ثم بعد ذلك يكون شأنها كشأن غيرها، دون ضمان حدود دنيا لتمثيلها في المجالس النيابية، والبلدية، وهذا هو ما لا أؤيده، لأن المرأة تحتاج إلى وضع الضمانات التشريعية التي تساعد على تمكينها، وتمثيلها في الحياة السياسية، بصفة دائمة، ليس لعدم قدرتها على منافسة الرجل، ولكن لوجود عادات، وتقاليد، وموروثات خاطئة، لا أعتقد أنها ستزول من المجتمع بسهولة.

ثانيا: الجانب التنفيذي: حيث يجب على السلطة التنفيذية في اي دولة من دولنا العربية، أن تُتيح للمرأة فرص المشاركة في الحياة العامة بشكل عام، وفي الحياة السياسية بشكل خاص، بما يحقق تعزيز دورها في المساهمة في الشأن العام، من خلال المشروعات بقوانين التي تقدمها الحكومات إلى البرلمان، والتي يجب أن تضمن حداً أدنى لتمثيل المرأة في الحياة السياسية، ومن خلال تقليدها المناصب العامة القيادية، نظرا لقدرتها على العطاء بإقتدار لصالح الوطن.

وينبغي ألا يكون إهتمام الحكومات بالمرأة حبيس الدراسات النظرية فقط، بل يجب أن يدل الواقع دلالة قاطعة على قيام هذه الحكومات، بتمكين المرأة بالفعل، وإعطائها حقها، في المشاركة في صنع القرار، وعدم استبعادها من المشهد العام.

ثالثا: الجانب المجتمعي: وهنا يقع علينا، وخاصة الذكور، مسئولية مجتمعية مهمة لدرجة كبيرة، حيث يجب الإعتراف بدور المرأة الرائد في العمل التنموي بصفة عامة، وفي الحياة السياسية بصفة خاصة، وأن نعمل على ترك العادات، والموروثات الخاطئة جانبا، بهدف توسيع دائرة المشاركة السياسية بين كافة فئات المجتمع، وأن يكون للرجال والسيدات مكانا مهما في هذه الدائرة، لتبادل الرؤى، والأفكار، التي تخدم قضايا الحقوق والحريات، والمصلحة العامة للوطن.

وأخص بالذكر في هذا الإطار منظمات المجتمع المدني، التي ينبغي عليها أن تلعب دورا حقيقيا، وملموسا، بعيدا عن مجرد التوثيق بالصور، والمستندات، لإرضاء بعض الهيئات الدولية، والحصول على الدعم المالي منها، ليستفيد به قلة، بغض النظر عن تحقيق مصالح الشعوب.

ولن يكون دور هذه المنظمات ملموساً، وعملياً، إلا من خلال حملات التوعية المستمرة، وخاصة للرجال، بأن يؤمنوا بدور المرأة، وألا يتم حصر دورها في النطاق الأسري، وأن التاريخ يشهد بجدارة المرأة، ومكانتها، وقدرتها، على القيادة، والعطاء المستمر.

ويبقى أن أوجه عباراتي للمرأة نفسها، بأن يتوافر بالفعل لديها الإرادة السياسية، وأن يكون مبدأ سلطان الإرادة السياسية، هو الحاكم لتصرفاتها، وهو الذي يدفعها إلى المشاركة في الحياة السياسية، وأن ترفض عدم انخراط بعض النساء في الشأن العام، وأن يتم تشجيعهن على الدخول في دائرة العمل السياسي، سواء بالتصويت في الانتخابات، أو بالترشيح للمجالس النيابية، والبلدية، أو السعي إلى تقلد المناصب العامة، ليكون لهن دوراً فعالاً، ومكاناً مهماً على خريطة الحياة السياسية، وفي صناعة القرار، من أجل بناء الوطن.

شارك المقال:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

ساهم في كتابة المقالات

ساهم مع عشرات الأصدقاء الذين يقومون بنشر مقالاتهم في برنامج واثقون بشكل دوري. اجعل صوتك مسموعًا وابدأ مشاركتك اليوم

قد يعجبك أيضًا

المقالات المشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *