دور التعليم في سورية في بناء مجتمع ديمقراطي
إن علاقة التربية بالديمقراطية علاقة مترابطة، فالتربية والديمقراطية متلازمان كوجهي العملة النقدية فلا تربية بلا ديمقراطية ولا ديمقراطية بلا تربية،وما أحوجنا اليوم في سورية التي انعدمت فيه المواطنة الحقيقية وتقلصت فيها حقوق الإنسان وتضاءلت فيها العدالة حتى كادت أن تنعدم- إلى تربية ديمقراطية من أجل تأهيل ناشئتنا تأهيلا أخلاقيا وديمقراطيا ليتمكن من إدارة دفة البلاد وقيادة دواليبها على ضوء رؤية إبداعية ديمقراطية قائمة على أسس النظام والمسؤولية والانضباط والمواطنة الحقة.
إذا، ماهي التربية؟
وما مفهوم الديمقراطية؟
وماهي أنواع الديمقراطية في التعليم؟
وماهي آليات تفعيل الديمقراطية في نظامنا التربوي؟
وماهي الصعوبات التي تواجه تطبيق الديمقراطية وتفعيلها في الواقع التربوي؟
وما هي الحلول المقترحة لتثبيت الديمقراطية التربوية؟
هذه هي الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في هذه الدراسة المتواضعة.
مفهوم التربية
التربية فعل تربوي وتهذيبي وأخلاقي يهدف إلى تنشئةِ المتعلم تنشئةً اجتماعية صحيحة وسليمة، و تساهم التربية أيضا في الحفاظ على قيم المجتمع وعاداته وتقاليده وتسعى جادة لتكوين المواطن الصالح، و تهدف كذلك إلى تغيير المجتمع والدفع به نحو طريق التقدم والازدهار عبر تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة .
ويقول الدكتور محمد لبيب النجيحي:” ولما كان هدف التربية الأساسي هو تنمية التفكير واستغلال الذكاء، فمعنى هذا أن التربية تعمل من أجل الحرية الإنسانية فالتأكيد على نمو الطفل إنما هو تأكيد على تحرير قدراته العقلية من قيودها، ويصبح المجتمع الحر هو المجتمع الذي يشترك أفراده أيضا في تطويره وتوجيه التغيير الاجتماعي الحادث له،وعندما يتمتع أفراد المجتمع بالحرية، فإن التربية تكون بذلك قد أسهمت في بناء مجتمع مفتوح، ونعني بالمجتمع المفتوح المجتمع الذي يسعى عن قصد وتصميم في سبيل تطوره، ولا يعمل فقط على المحافظة على الوضع الراهن ، وهو مجتمع يقبل التغير على أنه وسيلة للقضاء على الفساد والانحلال.”
مفهوم الديمقراطية.
من المعروف أن الديمقراطية في دلالاتها الاشتقاقية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه أو قد تعني حكم الأغلبية بعد عملية الانتخاب والتصويت والفرز والانتقاء وترتكز الديمقراطية على القانون والحق والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والاحتكام إلى مبادئ حقوق الإنسان وإرساء المساواة الحقيقية بين الأجناس في الحقوق والواجبات،ومن أهم أسس الديمقراطية الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف،وتتأسس الديمقراطية الفعالة والحقيقية.
إذا، فالديمقراطية الحقيقية هي التي تحقق سعادة الإنسان، وتؤمن عيشه الكريم، وتوفر له فرص الشغل، وتخرجه من براثن الفقر والفاقة والتخلف إلى عالم أكثر استقرارا وأمنا يسمح بالعيش الكريم .
أنواع الديمقراطية التربوية:
يمكن الحديث عن أنواع عدة من الديمقراطية في مجال التربية والتعليم، ونحصرها في أنواع ثلاثة وهي:
ديمقراطية التعلم
والمقصود بها أن يكون التعليم منصّبا على المتعلم الذي ينبغي أن يستفيد من جميع التعلمات على غرار أقرانه بشكل عادل ومتساو في إطار تكافؤ الفرص، ومن هنا يستوجب الأمر القانوني والتشريعي على المربين أن يتعاملوا مع المتعلم بالتساوي في كل نواحي الجوانب الدراسية والحياتية، ويطرح في هذا السياق موضوع الزي المدرسي الذي ينبغي أن يكون رسميا وموحدا بين جميع تلاميذ المؤسسات التربوية،أضف إلى ذلك أنه من الضروري أن تقدم البرامج والمناهج والمقررات الدراسية مادة قانونية موسعة تؤهل التلميذ ليتعرف على حقوقه وواجباته لكي يكون ديمقراطيا في تصرفاته وسلوكياته مع ذاته وأقرانه.
ديمقراطية التعليم
ونقصد هنا إلى جعل التعليم ديمقراطيا من خلال تعميم البرامج وتوحيد المناهج والمقررات على الرغم من تنوعها في الأشكال والمضامين، بالإضافة إلى تأميم التعليم وإلزاميته لكي تحد الدولة الراعية لأبنائها من نسبة الأمية والفقر والتخلف، فالتعليم هو الذي يغير المجتمع ويحقق الديمقراطية الحقيقية، كما أن المتعلم يتعلم الديمقراطية داخل المدارس والمؤسسات التربوية ويتربى في أجوائها المفعمة بالحرية.
وعندما نقول أيضا بديمقراطية التعليم، فنعني به جعل التعليم ذي خاصية شعبية يستفيد منه الجميع بدون استثناء أو إقصاء، فتصبح المدرسة مفتوحة للفقراء والأغنياء بطريقة عادلة ومتساوية تتكافأ فيها الفرص.
تعليم الديمقراطية
لايمكن لمجتمع ما أن يكون ديمقراطيا يؤمن بالحريات الخاصة والعامة وحقوق الإنسان ويتشبث بمنطق الاختلاف وشرعية الحوار والتسامح إلا إذا تربى على الديمقراطية الحقيقية سلوكا وعملا وتطبيقا، ولا يتأتى له ذلك إلا في المدرسة التي تعلم النشء مبادئ الديمقراطية السليمة وقوانين استعمالها ومعايير تمثلها وتطبيقها.
الديمقراطية في مجال التربية
لايمكن الحديث عن التربية الديمقراطية أو ديمقراطية التعلم والتعليم إلا إذا انطلقنا في تصورنا النظري من مجموعة من الآليات التطبيقية التي تسعفنا على تحقيق الديمقراطية داخل مؤسساتنا التربوية نذكر بعض منها:
تفعيل الحياة المدرسية
تعمل الحياة المدرسية على خلق مجتمع ديمقراطي منفتح وواع ومزدهر داخل المؤسسات التعليمية والفضاءات التربوية، وتقوم أيضا على إذابة الصراع الشعوري واللاشعوري والقضاء على الفوارق الطبقية والحد من كل أسباب تأجيج الصراع وتنامي الحقد الاجتماعي، خاصة وأن الحياة المدرسية هي مؤسسة تربوية تعليمية نشيطة فاعلة وفعالة تعمل على ربط المؤسسة بالمجتمع، وتوفر حياة مفعمة بالسعادة والأمل والطمأنينة والسعادة، وتحقق الأمان والحرية الحقيقية للجميع، وهذا ما نريد الوصول اليه في بلدنا سوريا.
توحيد اللباس المدرسي
من أهم الحلول التي نعتبرها شكلية للحد من ظاهرة الصراع الطبقي و مرحلة أساسية لتطبيق الديمقراطية في المجتمع توحيد الزي المدرسي وفرضه بشكل إجباري على جميع التلاميذ، ومساعدة المتعلمين المعوزين الذين يوجدون بالمؤسسة، وهنا نستدعي دور جمعية الأنشطة الاجتماعية والتربوية والثقافية باعتبارها فاعلا مشاركا ،لأنها تنشط في مجالات متعددة، تساعد التلاميذ الفقراء وتلبي احتياجاتهم المادية وتقدم للتلاميذ المتعثرين دراسيا حصصا في الدعم والتقوية، وتنظم للمجتمع المدرسي محاضرات وعروضا، وتمنح للتلاميذ المتفوقين جوائز تشجيعية، وغيرها من الأنشطة الاجتماعية والتربوية والثقافية،
المشاكل التي تواجها الديمقراطرىة
لايخفى على الجميع أنه من المستحيل تحقيق الديمقراطية في مجتمع التخلف والكسل والخمول أو في مجتمع مازال يحتكم بقوانين الديكتاتورية، ويسن سياسة الاستبداد والقمع والقهر ضد المواطنين الأبرياء،فالديمقراطية الحقيقية لاتتحقق إلا في مجتمعات الحرية والإبداع التي تؤمن بالعمل وفكرة التناوب وشرعية الاختلاف ومنطق التغاير.
ومن هنا، فمن أهم العوائق التي تحول دون تطبيق الديمقراطية نذكر على سبيل المثال:
البيروقراطية والجهل والتخلف والخمول والتقاعس والروتين ورتابة الإدارة وانعدام الخبرة وغياب الكفاءة التربوية والإدارية.
فالديمقراطية الحقيقية ليست – كما قال جون ديوي- مجرد شكل للحكومة، وإنما هي في أساسها أسلوب من الحياة المجتمعية والخبرة المشتركة والمتبادلة.
ولايمكن تحقيق الديمقراطية في نظامنا التربوي إذا كان مبنيا على الإلقاء والحفظ الرتيب وشحذ الذاكرة وتغليف المناهج والبرامج والمقررات بالتفكير السليم
كما لاتتحقق الديمقراطية مع مجتمع يتعشش فيه الفقر والبؤس والفاقة والحرمان، وتنعدم فيه العدالة ويقل فيه الخوف من الله وتعطل فيه شريعة الله.
توصيات لتحقيق مجتمع ديمقراطي
- تشجيع المبادرات الفردية التي فيها مصلحة للجماعة والوطن والأمة،
- تفعيل ثقافة حقوق الإنسان و المواطنة الصالحة عن طريق تدريس المواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان الدولية والإسلامية لمتعلمينا في المدارس التربوية
- نشر ثقافة التعايش والتسامح
- توفير الحريات الخاصة والعامة لكل المواطنين؛ فلا ديمقراطية بدون حرية ولا حرية بدون ديمقراطية، ولا تربية بدون حرية وديمقراطية، ولا حرية ولا ديمقراطية بدون تربية سوية متكاملة.
وخلاصة القول:
يتبين لنا من كل هذا أن التربية ترتبط ارتباطا جدليا بالديمقراطية، فلا يمكن الحديث عن تربية حقيقية إلا في مجتمع ديمقراطي يؤمن بحقوق الإنسان وحرياته الخاصة والعامة، ويؤمن أيضا بالتعدد اللغوي والطائفي والحزبي والعرقي.ولا تتحقق الديمقراطية في المجتمع إلا إذا لقنت ثقافة التحرر والاعتراف بالآخر .
ومن هنا، لابد أن يتعود الطفل على السلوك الديمقراطي في أسرته منذ نعومة أظافره ليرتمي في أحضان المدرسة في جو مفعم بالحرية والسعادة والأمل والتفاؤل ريثما ينتقل إلى أحضان المجتمع ليطبق ما تشربه من قيم ديمقراطية عادلة سلوكا وتمثلا وعملا.
وقد توصلنا كذلك إلى أن ثمة أنواع ثلاثة من الديمقراطية التربوية: ديمقراطية التعلم، وديمقراطية التعليم، وتعليم الديمقراطية.
وقد أبرزنا أيضا أن هناك مجموعة من الآليات لتطبيق الديمقراطية الحقيقية في نظامنا التربوي والتعليمي.
أن تطبيق الديمقراطية في نظامنا التربوي والتعليمي يواجه صعوبات جمة مثل: التخلف والبيروقراطية والجهل وغياب حقوق الإنسان وغياب المواطنة الحقيقية وإقصاء الكفاءات العاملة ناهيك عن التعامل بالغش من أجل تحقيق المصالح الشخصية والمآرب النفعية.
المراجع والمصادر
نجيحي . محمد: مقدمة في فلسفة التربية، دار النهضة العربي للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة1992م، ص:240
بياجي . جان: التوجهات الجديدة للتربية، ترجمة: محمد الحبيب بلكوش، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى ط١سنة19٨٨؛ص٣٥