إنّ التعليم هو السبيل إلى التنمية الذاتية وهو طريق المستقبل للمجتمعات. فهو يطلق العنان لشتى الفرص ويحدّ من أوجه اللامساواة. وهو حجر الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات المستنيرة والمتسامِحة والمحرك الرئيسي للتنمية المستدامة.
بعد أن استمرت الحرب في سوريا اثنتا عشرة سنة، وبعد التهجير وانتشار الجهل لابد أن تتضافر الجهود في المؤسسات كافة ومن أهم المؤسسات المؤسسة التعليمية لما لها دور كبير في نهوض المجتمع بكافة مستوياته الاجتماعية والثقافية والسياسية والتعليمية ولها الدور الكبير في بناء السلام المجتمعي الذي زعزعته الحرب عن طريق المساهمة الإيجابية في التخلص من أسباب العنف المختلفة والقيام بإصلاح النظام التعليمي ليكون الأساس لبناء مجتمع متكامل يرفض العنف بكل أشكاله ويعزز أهمية التعلم ودور المتعلمين بكل فئاتهم العمرية في بناء مجتمع يسوده السلام والعدالة.
واقع التعليم في سوريا قبل الحرب
إن نظام التعليم في سوريا لم يكن في الأصل نظاماً مثالياً رغم حالة الاستقرار التي كانت تعيشها البلاد فقد عانى من أخطاء ومشكلات أثرت في دوره في عملية التطوير في البلاد ،لتأتي بعد ذلك الحرب وتُحدث خللاً كبيراً في النسيج الاجتماعي للمجتمع السوري مسببة حالات غير مسبوقة من النزوح الداخلي والخارجي بالإضافة للخسائر البشرية والمادية وكل هذه الأسباب أدت إلى خلق كمّ هائل من التحديات في وجه مسيرة التعليم والتي بدورها أرغمت القائمين على نظام التعليم أن يفكروا في حلول إسعافية فقط لتبقي على استمرار التعليم ولو بشكل بطيء، وإنقاذ ما تبقى منه .
أركان النظام التعليمي
أجمع التربويون والمعلمون على أن دور النظام التعليمي ينبغي أن يبنى على عدة أركان وهي: المعلمون، التلاميذ، المناهج، وهي جميعاً تتأثر بتسلسل العلاقات في هيكلية النظام التعليمي.
1- المعلمون:
يمثل المعلمون العمود الفقري للنظام التعليمي وقد تسببت الحرب بموت قسم كبير من المعلمين المؤهلين ونزوح قسم آخر ولجوئه واستحالة تأهيل وتدريب كوادر جديدة من جهة أخرى، إضافة إلى ذلك فالكثير من المعلمين يعانون من مشكلات أخرى تقف عائقاً في وجه التطوير والتحديث للنظام التعليمي بسبب تسلسل المصالح وأيضاً راتب المعلم الحالي يعجز عن تأمين أبسط حاجات المعيشة في ظل الغلاء الفاحش والاستغلال وهذا سبّب بدوره ضغوط نفسية للمعلمين وانعدام الرغبة بالتطوير والتحديث لذلك نرى الكثير من المعلمون ينشغلون بتأمين لقمة العيش ويهملون التخطيط والتنفيذ لهدف يرونه بعيداً جداً أو ربما بات مستحيلاً بظل هذه الظروف لذلك نرى اعداداً لا يستهان بها لا تملك الرغبة أو القدرة لتطويع الممارسات التعليمية لبناء السلام، إما بسبب نقص المعرفة أو نقص الموارد المادية، او نقص التقدير لأهمية هذا الفعل.
2- التلاميذ:
من الطبيعي لحرب استمرت اثنتا عشرة سنة مع ما خلّفته من قتل وتدمير ونزوح وتشرد أن تترك آثاراً نفسية تبقى آثارها لفترات طويلةوشروطاً عميقة في حياة الطلاب الذين فقدوا أفراد عائلاتهم ومساكنهم واضطرارهم للنزوح تحت ظروف قاسية من الجوع والموت والقصف، وهذا أدى إلى تجمع أعداد ضخمة من السكان في مناطق محددة وهذا بدوره انعكس سلباً على القدرة الاستيعابية للمدارس فامتلأت الصفوف بطلاب من بيئات مختلفة وثقافات مختلفة وتزامن هذا مع افتقار المدرسين للخبرة الكافية للتعامل مع هذه المشكلة لتنتج عن ذلك الفوضى وانعدام الانضباط الأخلاقي والتربوي في المدارس وعدم قدرة المعلمين على السيطرة على الوضع.
ومن ناحية أخرى كان هناك ازدياداً في أعداد الطلاب المتسربين من المدارس، وتوجه الأهالي لمنع أبنائهم من متابعة تحصيلهم العلمي وخاصة الفتيات خوفًا من تعرضهم للأذى وتوجه بعض الأطفال للذهاب إلى العمل لمساعدة الأهل في تأمين قوت يومهم بدلاً من الذهاب إلى المدرسة، وأوضحت تقارير صحفية أن أكثر من مليون طفل في سورية غير ملتحقين بالمدارس مما ينذر بتردي مستوى التعليم والأداء عند الأطفال.
3- المناهج:
ولعل أهم ما يعاني منه النظام التعليمي بعد الحرب هو تغير المناهج التي أقدمت عليها المؤسسة التعليمية في سوريا في فترة ما بعد الحرب ويعتبر هذا التغير بالمناهج خطوة سلبية لما فيها من إنقاص في قيمة المناهج التربوية ،وأيضاً من العوائق التي عرقلت العملية التعليمية سوء الوضع الاقتصادي بسبب الحرب وبهذا افتقرت العملية التعليمية إلى الأدوات اللازمة لتنميتها وافتقدت المدارس أهم الاحتياجات الاساسية إضافة إلى وسائل التكنولوجيا مثل: الحواسيب وشبكات الانترنت وشاشات التعليم الذكية، ولذلك أصبح التفاعل مع هذه المناهج مفقودًا، بل ومستحيل التطبيق، مما أوجد حالة من اليأس والإحباط عند الطلّاب والمدرّسين، وساهم في تدنّي جودة التعليم. وهذا غير التفاوت الطبقي الحاصل بين المدارس العامة والخاصة في هذا النطاق.
إن ما خلفته الحرب في سوريا من أثار سلبية على الأصعدة جميعها جعل النظام التعليمي في سوريا مكبّلا غير قادر على النهوض بواقع التعليم، فتبدد الأمل في قدرة هذا النظام التعليمي المنهك على بناء قاعدة العدالة والسلْم المجتمعي، وتجددت المخاوف من أن يصبح النظام التعليمي نواة لإعادة إشعال فتيل الحرب مجددًا. وعليه، فإن المرحلة القادمة تتطلّب تضافرا جبّارا للجهود في سبيل تجاوز العوائق المذكورة، مع الحاجة إلى خطط مرحلية تضمن دورًا فعالًا للتعليم في بناء قاعدة مستديمة للعدالة المجتمعية ونبذ العنف بكل صوره، تكون نواةً لبناء السلْم المجتمعيّ الذي ستستعيد به البلاد عافيتها واستقرارها المجتمعي والتعليمي، وفي رسالتنا الداعية لحماية التعليم في سورية، فإننا ننقل مجدداً نداءات وصيحات الشعب السوري إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بتقديم المساعدات للشعب السوري؛ ونطالبهم بالتدخل العاجل لإنقاذ السوريين وفق مقتضيات القانون الدولي والشرعة الدولية، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف العنف وإدانته والتصدي للاعتداءات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي أسفرت عن تدمير وحشي للمدارس السورية.
والأهم من ذلك العمل مع مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال التعليم على إعادة بناء وإصلاح المدارس والنظام التعليمي في جميع أنحاء سورية، مع إبقاء التعليم على رأس أولويات البرنامج العالمي لدعم البنية التنموية في سورية خلال مرحلة التشافي من آثار الحرب على المستويين القريب والبعيد، بالإضافة إلى إعادة تقييم المناهج الدراسية وإصلاحها وتوحيدها، من أجل الحصول على التعليم الجيد والآمن والمناسب في كل المناطق السورية دون استثناء.