فؤاد يونس، 02 آذار 2022
قبل الربيع العربي، كانت طبيعة المجتمعات العربية يغلب عليها النظام الأبوي/الذكوري، الذي يقوم على تكامل الأدوار بين النساء والرجال، على نحو ينحصر فيها دور النساء في رعاية الأطفال والأعمال المنزلية، في حين يتولى الرجال إدارة الشؤون العامة والقيام بالوظائف السياسية. أدى هذا التنميط لدور المرأة العربية إلى جانب أسباب أخرى إلى وجودها الشكلي “الديكوري” في الأحزاب السياسية، وإلى ضعف تمثيلها السياسي في المجالس التشريعية والتنفيذية. وقد أتاحت التطورات السياسية الناجمة عن الربيع العربي فرصًا لتعزيز حقوق المرأة، وتوسيع تمثيلها في الحياة السياسية، خاصة وأنها شاركت في الانتفاضات السلمية بالاشتراك مع الرجل، لا بل تصدرت مشاهد المظاهرات والاعتصامات في الميادين، للمطالبة بالمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية.
منذ بداية الربيع العربي عام 2010، ازداد حضور المرأة في المجال السياسي، حيث ارتفعت نسبة تمثيلها في البرلمانات العربية تدريجيًّا (بحسب دراستي التمثيل السياسي للمرأة في المنطقة العربية والمشاركة السياسية للمرأة) إلى 19%، أي بمقدار ثلاثة أضعاف النسبة عن العام 2004، حيث كانت 6%. ولكن مع هذا التقدم، فإن الدول العربية ما تزال مطالَبة بالوفاء بالتزاماتها تجاه تحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة، المتعلق بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، ولا سيما المقصد الخامس فيه، الذي يهدف إلى كفالة مشاركة المرأة مشارَكةً كاملة وفعالة، وتكافؤ الفرص المتاحة لها للقيادة على قدم المساواة مع الرجل، على جميع مستويات صنع القرار في الحياة السياسية والاقتصادية والعامة.
مع ازدياد نسبة التمثيل السياسي للمرأة بفعل الربيع العربي، فإن تمكين المرأة لا يقتصر على مجرد النضال في سبيل تخصيص بعض المقاعد للنساء في المجالس التشريعية والحكومات، أو على ضمان وجود عدد من النساء في مواقع صنع القرار، بل يتعداه إلى ضرورة التأثير في المؤسسات الدستورية، بدرجة تتيح دمجًا حقيقيًّا لقضايا النساء في السياسات العامة. من هنا نطرح الإشكالية الآتية: إلى أي مدى استطاعت المرأة تحقيق مطالبها وأهدافها السياسية من خلال مشاركتها في الربيع العربي؟
يعبِّر مفهوم تمكين المرأة بحسب الدكتورة هويدا عدلي عن عملية شخصية واجتماعية، تستطيع المرأة من خلالها اكتساب القوة والسيطرة على حياتها وخياراتها، ومن ثم تحقيق ذاتها على مختلف الصُّعُد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث يتاح لها كافة الإمكانات التي تجعلها قادرة على الإسهام الحر في بناء المجتمع. أما التمكين السياسي للمرأة، فهو عملية تنظيم مؤسساتي ورسم سياسات، بهدف التغلب على أشكال عدم المساواة، وضمان الفرص المتكافئة لها في المشاركة السياسية تحديدًا. لذلك، تُعتبر المشاركة المتزايدة للمرأة في العمل السياسي عملًا محوريًّا للارتقاء بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. فعندما تشارك المرأة في العمل السياسي، تتمكن من الدفاع عن حقوقها ومعالجة قضاياها.
مع أن الدول العربية كافة منحت المرأة القدرة على التصويت والترشح، جرى بحسب دراسة للإسكوا اعتماد الكوتا النسائية في ثلاثة عشر بلدًا عربيًّا لتسهيل وصول المرأة إلى البرلمانات، فإن ذلك ما زال غير كافٍ للتصدي للتفاوت القائم على أساس النوع الاجتماعي، وذلك لأسباب كثيرة أهمها القيود الثقافية. فالقدرة الفعلية للمرأة على ممارسة حقوقها السياسية، لا يزال يعترضها عدم المساواة في إطار الأسرة، الذي هو الأساس الذي تقوم عليه جميع ضروب التمييز الأخرى ضد المرأة، وهو ما يجري تبريره باسم العقائد والتقاليد والثقافة. هذا التمييز له تبعات سلبية على ممارسة المرأة لحقوقها السياسية. وعليه، يوجد علاقة تأثير متبادل بين تمكين المرأة ومشاركتها السياسية. فالتقدم في قضية تمكين المرأة مرتبط بإقرار قوانين تقدمية في شؤون الأسرة. ثم إن زيادة نسبة تمثيل المرأة في مؤسسات صنع القرار، تؤدي إلى تبني سياسات تدعم المساواة النوعية، وتعزز الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة.
ختامًا، إنّ المشاركة السياسية هي جوهر المواطَنة وحقيقتها العملية، لأن المواطنة تعني المساواة بين المواطنين، وقبول حق المشاركة الحرة للجميع في الحكم. فالمرأة لا تشارك سياسيًّا إلا عندما تشعر بأنها مواطنة كاملة الحقوق، من حقها أن تمارس حقوقها داخل وطنها. إن مشاركة المرأة في ثورات الربيع العربي أدت إلى تعزيز مشاركتها السياسية، إلا أنه ما يزال يقتضي العمل للانتقال من مجرد المشاركة إلى التمكين، ثم إلى التأثير، من خلال تحقيق المساواة الحقيقية للمرأة العربية في المجالس التشريعية والتنفيذية. فما دامت المرأة هي نصف المجتمع، فمن حقها أن تتمثل بنصف مقاعد المجالس التشريعية والتنفيذية. والمرأة اللبنانية التي تصدرت ثورة 17 تشرين الأول، مدعوة اليوم إلى المشاركة الكثيفة في الانتخابات النيابية المقبلة، ترشحًا وتصويتًا، لانتزاع حقوقها بيدها بدلًا من التفاوض عليها، وتمهيد الطريق لإقامة الجمهورية اللبنانية الثالثة، على أساس المناصفة بين المرأة والرجل في البرلمان والحكومة.