تعزيز دور المرأة في المشاركة بالحياة السياسية

المحامية مادلين معدّي, 02 أيلول 2021

ما زال موضوع مشاركة المرأة في صنع القرار موضوعا جدليا يستحوذ اهتمام الناشطين في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة.

المحامية مادلين معدّي, 02 أيلول 2021

 

ما زال موضوع مشاركة المرأة في صنع القرار موضوعا جدليا يستحوذ اهتمام الناشطين في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة.

فبفضل ما توصلت اليه العديد من الجهود الدولية والمحلية الرامية الى دمج المرأة في مسار التنمية،وخاصة في شقها السياسي والمجتمعي والاقتصادي ، بحيث شهدت الحقوق السياسية للمرأة تطورا كبيرا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ،وذلك حين اخذت العديد من البلدان بمنح حقوق سياسية للمراة أهمها حق الانتخاب والترشح وبعدها المطالبة بمبدأ المساواة بين الجنسين.

ومع بداية القرن الحادي والعشرين اصبحت المرأة تهتم اكثر باحتياجاتها الاستراتيجية ،ومن هذه الاحتياجات حقها في اتخاذ القرار والمشاركة المعترف بها والمساواة بينها وبين الرجل في مجال التنمية.
لان اقصاء المرأة من التنمية لا يؤثر سلبا فقط على المرأة وإنما ينجم عنه ايضا فشل المشاريع التنموية وعدم فعاليتها في المجتمع.

تخصيصا في المنطقة العربية التي تشهد حراكا سياسيا لا بل دمويا حادا، مما يستوجب استنفار كل الطاقات البشرية لإرساء الاستقرار فيها، بما في ذلك الحاجة لدور المرأة التي شاركت في بعض التحركات الشعبية في الدول العربية.

تلك الدول التي ما زالت تبحث في صراع عنيف عن إمكانية إحلال السلام والتي يجب أن تعد المرأة بطبيعتها داعية أساسية للأمن والامان فيها.

علما بأن تلك المرأة نفسها هي التي دفعت غاليا ثمن الصراعات السياسية على حساب كرامتها وتفتت عائلتها وفقدانها للإمكانية التأثير الفاعل في مجريات الاحداث التي تساهم في تهميشها، لا بل بتراجع كبير لدورها في ظل التطرف والتحجر الفكري..

قبل تلك التغيرات في المنطقة العربية وفي خلالها ما زال التساؤل الذي يلح علينا دائماً هو أنه على الرغم من كافة الدراسات التي أجريت بشأن المشاركة السياسية للمرأة، والندوات والمؤتمرات التي عقدت لتداول هذه القضية، فما تم إحرازه على أرض الواقع من تقدم يعد محدوداً للغاية.

رغم كل ذلك ثمة تطورات قد حدثت في بعض الدول العربية لا يمكن إغفالها. بعض المجتمعات التي لم تكن تعترف بأي دور سياسي للمرأة بدأت تعين النساء في بعض المجالس والهيئات كذلك البرلمانات بدأت تفسح المجال للمرأة ولو بصورة رمزية ونخبوية.

ويمكن القول بصورة عامة أن بعض الحواجز التي كانت قائمة منذ ما يقرب من عقدين قد شهدت تحسنا نسبيا.

لكن ما سبق لا يعني أن الوضع الحالي يدعو للاسترخاء، بل على العكس فإن الوضع الحالي يطرح تساؤلات من نوع جديد بشأن نسبة مشاركة المرأة ومستوى ادائها وكيفيته، ومدى قدرتها على التأثير في الحياة السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني. ومدى صلتها بالنضال القائم من أجل الحريات العامة وحقوق الإنسان في المجتمعات العربية.

وهل يمكن تأطير عمل النساء كي يمثلن نصف الهيئة الناخبة. هل المجتمع المدني لديه القدرة على تعبئة النساء والرجال المؤيدين لحقوق النساء لإحداث تغيير في النظرة لأهمية الاستفادة ممن يشكل نصف المجتمع؟
.
أقر المؤتمر العالمي الرابع للمرأة منذ 14سنة (بجين1995) بضرورة مشاركة المرأة في عملية صنع القرار وتولي المناصب السياسية. والتزمت بذلك العديد من الدول.

لكن ما زال وضع المرأة في المنطقة العربية مقارنة بباقي دول العالم أقل بكثير من إمكانية الوصول إلى المناصب القيادية السياسية والمشاركة في عملية صنع القرار، سواء من زاوية تمثيل المرأة في السلطات الرئيسية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية..

وإذا أخذنا تمثيل المرأة في المجالس النيابية نجد أن نسبة تمثيلها في الدول العربية تعد من أدنى النسب على مستوى العالم، مع الأخذ في الاعتبار التفاوت فيما بين الدول العربية في هذا الصدد.
بعض الدول لا تسمح بتولي النساء فيها مناصب قضائية، ودول أخرى لم تصل المرأة إلى منصب القضاء فيها إلا منذ فترة قريبة.

كذلك أن عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب وزارية محدود للغاية، وتترك بعض الوزارات تحديدا لكي تشغلها النساء. ناهيك عن شبه انعدام وجودها في مناصب المحافظين وفي المناصب العسكرية والأمنية. لا أشك أن هناك جهود عديدة بعد مؤتمر بجين لمشاركة المرأة في صنع القرار، ولكنها ليست بالقدر المطلوب.

هناك صعوبات وعقبات على المرأة تخطيها إذا ما ارادت خوض غمار العمل العام:
. نذكر من هذه العقبات:
1- عوامل متصلة بالمرأة نفسها وبوضعها الاقتصادي،
2- عوامل متصلة بالمؤسسة السياسية،
3-عوامل متصلة بالمجتمع والثقافة السائدة فيه.

وفي سياق العقبات لا بد من التوقف عند بعض النقاط الأساسية:
يستوجب التنويه الى الفرق ما بين مشاركة المرأة في العملية الانتخابية التشريعية أو المحلية، وبين المناصب التنفيذية أو القضائية أو غيرها التي تتم بالتعيين..
ان العملية الانتخابية – والمرأة لم تشارك في وضع قواعدها أساسا- تبنى على أساس المنافسة بكافة أشكالها ما بين الرغبة في خدمة الصالح العام وبين العمل على خدمة المصالح الشخصية في الكثير من الأحيان.

وفي حين تتطلب هذه المنافسة مراس طويل نجد أن المرأة حديثة العهد بالتعامل مع الاليات الانتخابية. فمثلا اذا ما أخذنا بعين الاعتبار التلاعب بسقف الإنفاق المالي للحملات الانتخابية الذي يحصل في كثير من الأحيان نجد أن المرأة غالبا لا تملك بسهولة حتى المال المشروع للحملة الانتخابية.
أضف الى ذلك استعمال النفوذ وتبادل المصالح المادية والسياسية التي تضطر المرأة للتصدي لها ضمن أنظمة غير ديمقراطية.

حتى المجتمع نفسه بحاجة الى تثقيف وتوعية ديموقراطية تبدأ منذ التنشئة الأولى بهدف تغيير النظرة النمطية لدور وقدرات المرأة في صنع القرار.

هذا بالإضافة الى بعض أنواع الخطاب الديني المتطرف الذي يؤثر سلبا على تقبل المرأة في الحقل العام..

* هناك ظاهرة ملفتة لا بد من التنويه عنها وهي اقدام نسبة من النساء الناخبات على عدم مساندة النساء المرشحات للانتخابات.
إن هذا الواقع مرده عدم ثقة الناخبة بالمرأة نفسها وانسياقها وراء رغبة الرجل من حولها. كما يؤثر الخطاب الديني المتطرف على توجهاتها.
كذلك نرى في بعض الأحيان نوع من المنافسة السلبية لدى بعض النساء وللأسف ممن يدعين مناصرة المرأة.

بناء عليه كـ توصيات :
نحن بحاجة ملحة للتغيير في العديد من المفاهيم للمساهمة في مشاركة المرأة في صنع القرار.
ان هذا التغيير مرتبط ارتباط وثيق بعملية التحول الديموقراطي.
احترام حقوق الانسان .

المفهوم الصحيح للمواطنة.

لتغيير الوضع الحالي نحن بحاجة الى قوانين انتخابية أكثر عدلاً وأقل تحيزاً، وإحدى الوسائل الأساسية لتحقيق هذه الغاية هي الكوتا، فتطبيق الكوتا يعد أحد آليات تغيير قواعد اللعبة السياسية.

فبعض الدول العربية تطبق نظام الكوتا الذي رفع معدل مشاركة المرأة في المؤسسة التشريعية.
ولا شك أن الكوتا على مستوى الأحزاب ترفع من مشاركة المرأة في البلديات وفي البرلمان. وعليه، يجب أن تسعى النساء من أجل فرض كوتا نسائية داخل الأحزاب، تماماً كما حدث في ألمانيا وبعض الدول الاسكندنافية.

الكوتا كما يعرف الجميع مرحلية ومؤقتة لتعويض المجتمع لا لتعويض عدم قدرة المرأة على الوصول إلى المجالس النيابية.

نظام الكوتا اشارت اليه اتفاقية “السيداو” باعتباره نوعاً من التمييز الإيجابي. ولكن هل قامت الدول العربية بما يتعين عليها القيام به قبل تبني نظام الكوتا؟ فقد أشارت اتفاقية” السيداو” إلى أنه يجب على الدول التي ستطبق نظام الكوتا القيام بمجموعة من الإجراءات من بينها العمل على تغيير التنشئة الاجتماعية.

فـ نظام الكوتا بطبيعته مؤقت وخطوة على طريق تحقيق المساواة.

ونتساءل هل النساء اللاتي وصلن إلى مراكز القرار في ظل نظام الكوتا أحدثن تغييراً ما، أم قمن فقط مثل الرجال بتنفيذ سياسة السلطة القائمة؟ هل غيرن شيئاً في نظرة الرجل إلى المرأة حتى إذا ما ألغي نظام الكوتا يمكن للناخبين من الرجال أن يصوتوا لصالح مرشحات من النساء؟ ما مدى ارتباط الأداء السياسي للمرأة بالقضايا النسائية؟ ما هو نموذج المرأة التي وصلت عن طريق نظام الكوتا إلى المجالس النيابية؟

كلها أسئلة تطرح نفسها بالحياة العامة و عليه قد تم بناء النتائج التالية :

1- لأنه تم دون تهيئة بيئة حاضنة لفكرة المشاركة السياسية للمرأة تبقى قضية الكوتا قضية خلاف ونزاع داخل أوساط مختلفة من المثقفين والناشطين السياسيين بين معارض ومساند، وكل له خلفيته في ذلك.

2- جانب آخر لتعزيز مساهمة النساء في الحياة السياسية يرتبط بتعزيز دورها على مستوى الأسرة، وأغلب قوانين الأحوال الشخصية في البلدان العربية لا تعزز من وضعية المرأة أو تجعل لها دوراً في صنع القرار داخل الأسرة. ومن ثم، ينسحب الأمر على مساهمتها في الحياة العامة، حيث يكون حضورهاً أقل وتابعاً للرجل؛ فثمة علاقة ارتباط قائمة بين قوانين الأحوال الشخصية ومشاركة المرأة السياسية،

3-هذه القوانين “الطائفية” “المذهبية” “الأكثرية” إذا جاز التعبير تقف حجر عثرة دون تعزيز مساهمة المرأة في الحياة السياسية..

لتعزيز دور المرأة في صنع القرار يجب التركيز على :

1- يجب أن تبدأ التهيئة لقيادة واعدة وصحيحة للمرأة بالتنشئة السياسية داخل الأسرة وفي مؤسسات التنشئة السياسية.

2-مطلوب تعديل التشريعات العربية بإسقاط جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

3-العمل على إدماج الاتفاقيات الدولية التي تزيل كافة أشكال التمييز ضد المرأة ضمن التشريعات الوطنية.
وعلى الرغم من توقيع كافة الدول العربية على أغلب الاتفاقيات الدولية الخاصة بإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة إلا أنها لم تدمجها حتى الآن ضمن تشريعاتها الوطنية.

4-وما زالت مؤسسات المجتمع المدني الموجهة نحو المرأة في حاجة إلى مزيد من التنظيم حتى تؤدي إلى تراكم تغيير نوعي ثقافي لدعم المرأة و مشاركتها في صنع القرار .

5-فثمة حاجة إلى وضع الآليات التي تمكن المرأة من ممارسة الدور المنوط بها، وكذلك تفعيل هذا الدور. اذن لكي تنجح النساء في الوصول إلى المشاركة في السلطة والبناء الديمقراطي، تحتاج إلى إصلاحات واسعة كلية وليست جزئية.

6- فالواقع في الدول العربية هو واقع أنظمة سياسية أكثر منه واقع مشاركة امرأة أم لا، والأنظمة السياسية اللاديموقراطية لن تسمح غالبا إلا بمشاركة النساء اللواتي تحظين برضا هذا الأنظمة.

7- نحن بحاجة الى المؤسسات الحامية للديمقراطية وللمجتمع المدني والحريات والحقوق، فنشاط المجتمع المدني هو أيضاً أحد آليات التدريب السياسي للمرأة.

8-ان العملية الانتخابية بما تتضمنه من فعاليات وممارسات وأنشطة وحشد ومشاركة من قبل مؤسسات المجتمع المدني تعد أفضل مدرسة للتدريب السياسي على الممارسة الديمقراطية وبخاصة بالنسبة للشباب، حتى وإن شابها بعض الممارسات السلبية، وحتى وإن انتهت بفشل المرشحات من النساء لأسباب خارجة عن إرادتهن.

9-أن الانتخابات لا تشكل وحدها الديمقراطية، ولكن الذي نفتقر إليه هو ثقافة الديمقراطية، وهي الثقافة التي يجب أن نسعى من أجل ترسيخها في المجتمع عن طريق مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية، وكذلك عن طريق مؤسسات المجتمع المدني.
التي تضمن النظام الديمقراطي حصول المرأة على حقوقها، بما يمثله في الدستور والقانون والتعليم والنظام الانتخابي وقانون الأحزاب .

10-وكيفية التعامل مع الإعلام الذي يجب أن يكون مستقلاً عن الدولة.

11- كذلك تعزيز الثقافة الديمقراطية وتغيير المناهج،

12-بالإضافة إلى ضرورة وجود الآليات الرقابية، والسعي نحو مفاهيم الحكم الصالح والمساواة وتكافؤ الفرص والمواطنة وإعطاء الشباب دور رئيسي والاهتمام بالفئات المهمشة.

لذلك نحن نطمح بأن تكون لدينا خطة وطنية تنفيذية تعمل على ضرورة نشر ثقافة التنشئة السياسية في مجتمعنا و العمل على سد نقاط الضعف لكي نتمكن و ننهض بالحياة السياسية اسوة بباقي الدول المتقدمة لأننا نستحق الافضل كوطن و قيادة و شعب.

شارك المقال:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

ساهم في كتابة المقالات

ساهم مع عشرات الأصدقاء الذين يقومون بنشر مقالاتهم في برنامج واثقون بشكل دوري. اجعل صوتك مسموعًا وابدأ مشاركتك اليوم

قد يعجبك أيضًا

المقالات المشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *