تاريخ الديمقراطية: حكم القوانين لا حكم الاشخاص

د.نبيل ياسين

تملك الديمقراطية، خلافا للديكتاتورية، عناصر ومعاني متعددة يمكن وصفها بالطبخة. فقليل من تعدد الاحزاب يشبه قليلا من البهارات والملح.

تملك الديمقراطية، خلافا للديكتاتورية، عناصر ومعاني متعددة يمكن وصفها بالطبخة. فقليل من تعدد الاحزاب يشبه قليلا من البهارات والملح، اضافة الى سيادة قانون ومجتمع مدني يكون طرفا اساسيا في العقد الاجتماعي ودستور يكون وصفة للمقادير الواجب اتباعهالكي تتميز الديمقراطية، كطبخة، بنكهة الاعتدال والمساواة والحفاظ على الصلاحيات والحدود السياسية للهيئات الحاكمة،وصحافة حرة ومستقلة لكي يكون التذوق حقا لكل فرد كي يعبر عن رأيه من خلال وسائل الاعلام التي تمثل الرأي العام اكثر من كونها تمثل الحكومات والسلطات.

ولايمكن طبخ الديمقراطية دون الاعتماد على ميزان الاقلية والاكثرية.صحيح ان الديمقراطية ليست نظام مائة في المائة ولانظام ٩٩٪٩٩ بالمائة ولكنها نظام ٥٠ + ١ في ابسط تجلياتها عن حكم الاكثرية. لكن نصاب الثلثين هو الميزان الحقيقي للاكثرية ولذلك تصدر اغلب القوانين والتعديلات الدستورية والاستفتاءات بهذه النسبة لكي تعبر عن رأي الاكثرية في المجتمع.

تعريف بسيط آخر للديكتاتورية هي انها حكم الاقلية، سواء كان فردا او عائلة او عصبة او عشيرة او حزبا. وتعريف بسيط آخر للديمقراطية هي انها حكم الاكثرية التي تحترم حقوق الاقلية ولا تسحقها. التعريف الاخير يتعارض تماما مع التعريف الاول، فالدكتاتوريات لاتحترم رأي الاكثرية لانها تقمع الاكثرية في الطاعة والولاء. اي ان الديكتاتورية ليست نظام حقوق بينما الديمقراطية نظام حقوقي لضمان الحقوق.

نستطيع، من خلال التعريفات المتعددة ان نجمع وصفة لطبخ الديمقراطية على نار هادئة. ان معظم الناس لايهمهم من يحكم .ولكن يهمهم كيف يحكم.ان الانتخابات ليست كل الشرعية التي تتمتع بها الحكومات المشكلة وفق نتائج الانتخابات ، لان الشرعية القطعية، مثل الحكم القطعي بلغة القانون، تتحصل من خلال اداء الحكومة وتحقيقها لمطالب مواطني الدولة.

ان الاغلبية الحاكمة لاتملك ، دستوريا، وضمن مبادئ وتقاليد الديمقراطية، الحق في نكران حق الاقلية. فالاقلية هي جزء من مجتمع يتمتع بالحقوق الدستورية كافة. الحقوق السياسية والمدنية والثقافية والاجتماعية. اي حقوق المواطنة التي تلغي مبدأ الاكثرية والاقلية في الحقوق . ولذلك لاتسن القوانين وفق الاغلبية السياسية وحدها وانما ضمن مصالح الاغلبيات الاجتماعية التي يمكن ان تمثلها الاقلية السياسية اكثر من الاغلبية السياسية التي تحرص، في احيان كثيرة، على التسيد والتسلط اللذين يكبحهما حق الاقلية الذي يتضمنه العرف الدستوري الديمقراطي.

لكن، من الناحية الحقوقية ، ولضمان حقوق جميع المواطنين بمن فيهم الاقلية والاغلبية ، فان اعمق وابسط تعريف للدكتاتورية هي انها حكم اشخاص. كما ان ابسط تعريف للديمقراطية هي انها حكم قوانين.

يؤكدالمؤرخ السياسي لتاريخ الحكم في الولايات المتحدة اوستن رني في كتابه( اسس الحكم) وهو يتناول في الفصل العشرين موضوع ( القانون والهيئة القضائية ) عاى اهمية القانون باعتباره نظاما للحكم الديمقراطي فيقول :لاريب ان ان الامل المنشود الذي كان يصبو اليه دستور(ماساشوشيتس) في اقامة (حكومة قوانين لا حكومة اشخاص) يكشف عن تلهف معظمنا الى ان تكون مصائرنا معلقة لابالنزوات العارضة لدكتاتور او لطبقة حاكمة او لاغلبية شعبية، بل باسس ومبادئ جوهرية ثابتة تقوم على حكم العقل والقانون)(١)

وهذا ما يحذر منه ارسطو، اذ يعتبر اسوأ انواع الديمقراطيات هي ديمقراطية الاغلبية الغوغائية التي لاتلتزم بالقانون. ولسوء الحظ فان تجارب عربية في مجال الديمقراطية اثببت مخاوف كل من ارسطو اليوناني ورني الامريكي، حيث نهضت غوغائيات من انواع متعددة، دينية وعشائرية واجتماعية وضعت هياجها العام محل القانون. . ويتفق معظم الحقوقيين والمفكرين السياسيين والسياسيين الديمقراطيين بان فرص الانسان في العيش المثمر في مجتمع من المجتمعات تتوقف الى حد بعيد على قدرته على العيش وفقا لاحكام القانون.وتدل التجربة التاريخية للانسان على ان القانون لم يتوفر الا في ظل النظام الديمقراطي وبذلك يمكن وصف الديمقراطية بانها حكم القانون، بما في ذلك تطبيق الدستور من خلال سيادة القانون ، وهو احد مبادئ الدستور البريطاني.

شارك المقال:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

ساهم في كتابة المقالات

ساهم مع عشرات الأصدقاء الذين يقومون بنشر مقالاتهم في برنامج واثقون بشكل دوري. اجعل صوتك مسموعًا وابدأ مشاركتك اليوم

قد يعجبك أيضًا

المقالات المشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *