اللاجئين السوريين (لجوء إلى المريخ)
حين عودتها من الدوام المدرسي تخبرها إحدى الجارات أنه تم ترحيل والدها وأخوها الكبير، وأنّ أمها في حالة بكاء وهلع حادة، فرح طالبة في الثانوية لطالما اعتزّت بوالدها الذي أنقذهم من براميل الموت وأصوات الطائرات الحربية ليرسم لهم حياة ملونة في مكان كان يعتقد أنه آمن.
فور سماعها هذا الخبر توقفت الساعة لديها، فقد كان جلّ ألمها ما تعانيه من التمييز والعنصرية والسلوكيات الخاطئة اتجاهها في مدرستها، أمّا الآن فقد تعرّت من شعور الأمان بالكامل، فالأب وطن آخر، والآن صارت لاجئة مرتين، حال فرح الآن كحال الكثير من السوريين ممن باتوا بين فكي كماشة، فإما فقدان الدراسة أو العودة لنار السَّموم، فمطرقة القرارات الدولية تهشم إرادة اللاجئين، ورحى العنصرية تطحن خواطرهم وحظوظهم، فبحسب مفوضية شؤون اللاجئين أن أعداد السوريين هي الأكبر مقارنة مع الجنسيات الأخرى، فقد بلغ عددهم في منتصف عام 2023 حوالي 6.5 مليون لاجئ سوري حول أنحاء العالم، وخارج مناطق خاضعة للمعارضة والتي تحوي لوحدها حوالي 3.5 مليون نازح داخلياً.
وأمام هذه الأرقام الكبيرة لابد من تصور للمشهد من معاناة، حرمان، ظلم، عنصرية، تحديات وصعوبات كتعلم لغة جديدة، ثقافات جديدة، ومنها ما يختلف كليا عن السياق السوري، استغلال اقتصادي في سوق العمل.
وأيضاً قوانين يجدها اللاجئ غريبة عما كان يعيشه في وطن يحكمه الفساد، أو مجحفة بحقه، كاعتباره مجرد رقم لا يحق له التمتع بأي حق، فبعض الدول المستضيفة تعتبرهم ضيوف، وأخرى تعتبرهم امتداد لاحتلال قديم، وأخرى تستضيفهم نتيجة ضغوط دولية أو لأسباب اقتصادية تنعش اقتصادها وتلمع من صورتها.
وعندما نتساءل (بعد كل ذلك كيف يعيش اللاجئ السوري؟؟) لتجيبنا آخر إحصائية في دولة لبنان بأنه حوالي 35٪ من المتواجدين في السجون اللبنانية من السوريين، وأنهم يعيشون حالة نفسية سيئة خوفا من إعادتهم قسرياً للمناطق الخاضعة للنظام السوري، لذلك منهم من حاول الانتحار، وقد نجح أحدهم بذلك، معتبرين أن الموت السريع أكثر رحمة من الموت البطيء بعد تذوق عذابات الجحيم في المعتقلات التي تشبه المسالخ، وما يثير الذعر والرعب أن معظم من تم اعتقالهم ألصقت بهم تهم كيدية، مما يعني أن السوري تهمته وجرمه الأكبر أنه سوري، فذلك ذنب كافٍ ليتعرض للقتل أو الاعتقال او الحرق حياً من قبل بعض الشعوب العنصرية.
وعند النظر لآخر حادث نجد أنه تم اتهام مجموعة من الشبان السوريين بقتل السياسي “باسكال سليمان” وهو منسق حزب القوات اللبنانية، مما أثار الرأي العام، وأدى إلى احتقان الشارع ضد السوريين.
وفي العودة لقصة فرح فقد اختارت النضال لتكمل مسيرتها العلمية، فهي تعمل مع والدتها ضمن المنزل بطبخ المأكولات المختلفة وصناعة الحلويات وتصديرها للمطاعم ليأكل منها العنصريون دون أن يعلموا أن سرّ هذا المذاق الرائع هو الاصرار والعزيمة على النجاح والوصول إلى المراد، أما زينب فقد كان لها رأي آخر، فقد استسلمت للأحداث، ولم يخطر لها يوماً أنها ستفقد أطفالها واحد تلو الآخر، فالأول احتفظ به البحر أثناء رحلة اللجوء عبر قوارب الموت فرارا من ويلات الحرب ونيرانها، والآن تفقد الآخرين دون أمل ودون معرفة بمصيرهم، فإحدى الجهات المسؤولة عن حماية الطفل في الدولة المستضيفة والتي تتمتع بأحقيتها باتخاذ قرارات ادّعت أن زينب تسيء معاملة أطفالها، وتجبرهم على عادات وقوانين تحجب حريتهم بها.
إن غياب الوعي بقوانين الدول المستضيفة وغياب الحصانة عن اللاجئين، أوصلت زينب ومثيلاتها من النساء لحرمانهنّ من أطفالهنّ، وأن الكثير من السوريين يفتقدون للوثائق المدنية كالهوية او جواز السفر، وغيرها من الوثائق الرسمية التي تمنحهم الحصانة قدر الإمكان أو ضمانات في الحماية على اختلاف تلك البلدان.
فالحكومة التي تمثل المعارضة لم تتمكن من توفير وثائق أو هويات أو جوازات سفر للأفراد المناهضين للنظام الخارجين عن سيطرته، مما أدى لعدم الاعتراف بأي شهادة صادرة عن أي جهة سورية كانت، وإلغاء العمل بها، فصار الطبيب يعمل في بيع الخضروات، والمهندس في صيانة الهواتف، والمعلم في الإنشاءات، ومع ذلك لازال يخيم (شبح العودة) على رؤوس اللاجئين في عام 2024 فقد كثرت مطالب حكومات الدول المستضيفة بإعادة اللاجئين إلى بلدهم، باعتبارها أصبحت آمنة، ويجب إعادة إعمارها وأنها في مرحلة تعافي من وجهة نظرهم.
يقول “فولكر تورك” المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بعد صدور تقرير عن المفوضية “يجب الامتناع عن وصم من يرغبون في العودة واستئناف حياتهم في سوريا، والكفّ عن ممارسة التمييز ضدهم أو تعريضهم لأي نوع من العنف أو إساءة المعاملة عند عودتهم إلى وطنهم”. وأضاف المفوض السامي: “كما تجب معاملة من يبقون في البلدان المضيفة وفق أحكام القانون الدولي، بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية، ويجب احترام حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء. وينبغي أن تكون العودة طوعية مع توفير شروط العودة الآمنة والكريمة والمستدامة”.
وكان حديث تورك مبني على تقرير رصد وتوثق الانتهاكات والتجاوزات قد ارتكبتها الحكومة وسلطات الأمر الواقع والجماعات المسلحة الأخرى في جميع أنحاء البلاد كالاحتجاز التعسفي، والتعذيب، وسوء المعاملة، والعنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي، والاخفاء القسري والاختطاف.
ومن بين جملة الأسباب التي عززت معاناة اللاجئين هي الظروف المناخية والطبيعة، وأشدّها كان زلزال العام المنصرم في 6 شباط/ فبراير 2022، والذي خلّف مئات الضحايا من النازحين داخلياً والآلاف من السوريين المتواجدين في تركيا التي تضررت بدورها بشكل كبير ،فمن كان يفقد منزل هجر منه سابقاً أصبح فاقد أرواح كانت حوله قبل الكارثة، فأثر ذلك سلبا على الصحة النفسية على اللاجئين، وانتشرت حالات الانتحار بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة فالكوكب ضاق عليهم بحسب وصفهم، فمن قرر الصمود سخر من واقعه بمقولة ( سنقدم لجوء لكوكب المريخ ربما شعبه يتصف بالإنسانية)
إن ما ذكرناه في مقالتنا لا يصف الحزن والمأساة كما الواقع، لأن لسان حال الشعوب تقول لكل سوري (اخرج مذءوماً مدحوراً) وكأنه شيطان يرعبهم، أو يعيث فساداً في أرض يحسبوها لهم، وأن الحكومات المستضيفة إما أن تعزز عنصرية شعوبها، أو تجعل من اللاجئين شماعة لتبرر فشلها، أو تستغلهم لصعودها للسلطة أو للاستفادة من المساعدات الأممية والحد من البطالة بتوظيف أيدي عاملة من مواطنيها برواتب مقتطعة من تلك المساعدات وفي جميع الحالات فإن اللاجئ السوري هو الضحية.
ولعلّ ما يؤنس اللاجئين السوريين هو وصفهم بالياسمين المنتشر عطره في أرجاء كوكب الأرض بعد نجاحاتهم العظيمة في جميع المجالات بفعل الإرادة والتفوق.