العقد الاجتماعي السوري المفقود

مبادرة سفراء الديمقراطية

في بلد أنهكه الحرب وتدمرت فيه أكثر من خمس حاضرات جزئياً أو كلياً، وتشرد خلالها أكثر من اثني عشر مليون سوري وتهجيره قسراً داخلياً وخارجياً وقتل مئات آلاف السوريين وغيب عشرات الآلاف قسراً، وفي ظل احتواء سوريا للعديد من الأعراق والطوائف والديانات وغياب واضح للأحزاب السياسية، ما الذي سيجمع السوريين بعد كل هذا الإقتتال والتباين في الآراء والتطلعات والإنتماءات؟

في بلد أنهكه الحرب وتدمرت فيه أكثر من خمس حاضرات جزئياً أو كلياً، وتشرد خلالها أكثر من اثني عشر مليون سوري وتهجيره قسراً داخلياً وخارجياً وقتل مئات آلاف السوريين وغيب عشرات الآلاف قسراً، وفي ظل احتواء سوريا للعديد من الأعراق والطوائف والديانات وغياب واضح للأحزاب السياسية، ما الذي سيجمع السوريين بعد كل هذا الإقتتال والتباين في الآراء والتطلعات والإنتماءات؟

العقد الاجتماعي مصطلح قديم يعود تاريخياً للعصور الرومانية وكان جلياً في الحضارة اليونانية في كتابات سقراط وأفلاطون وآرسطو.

كما دعا إليه ابن خلدون حيث جاء في (مقدمة ابن خلدون) بضرورة وجود عقد ينظم العلاقة بين الحاكم والشعب فذكر أن (الحكم ضروري للعمران البشري) مشيراً ان قيام السلطة ضرورة طبيعية، وبما ان الحاكم يميل إلى التسلط والتغلب والطغيان ، فعلى الشعب أن يسارع لطلب ما ينظم هذه العلاقة.

وبالرغم من قدم فكرة العقد الاجتماعي إلا أنها لم تقدم مفهوم واضح وشروط مناسبة لإنتظام العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين المحكومين أنفسهم ولاحقاً تبلورت بشكل جليّ على يد علماء الاجتماع لكل من هوبز ولوك وتتوجت على يد روسو حيث وضع أسس المواطنة في كتابه (العقد الاجتماعي) ووضع السلطات الثلاث بيد الشعب مؤذناً بولادة الجمهورية وسلطة الشعب …

فالهدف من إنشاء عقد اجتماعي هو إيجاد صيغة توافقية تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتنظم العلاقة بين أفراد الشعب ونوع السلطة وضمان الحقوق والحريات ورسم حدودها والتوفيق بين حقوق الأفراد وقوانين المجتمع…

1_العقد الاجتماعي كضرورة سورية:

ولعل الهدف الأهم للحالة السورية هو الإنتقال من حالة الفوضى والعبثية والإرتهان للخارج والمال السياسي وأجندات الدول إلى دولة العدالة والقانون التي تحفظ كرامة السوريين وتلم شملهم وتحقق العدالة وتصهر الإرادات الفردية في الإرادة العامة المشتركة.

2_الحرب السورية والاستعداد السياسي:

هذه الهوة التي خلفتها الحرب وانقسام الشعب السوري بغالبية مناهضة للسلطة الديكتاتورية ووجود الإحتلالات وتعقد المشهد السوري بسبب غياب العدالة وتحويل سوريا لكنتونات واقاليم تختلف في الإيديولوجيا والهدف وتابعة لدول إقليمية ودولية وإرادات دولية متباينة تبعاً لمصلحة كل دولة ولأهمية موقع سوريا الجيوسياسي على حدود الكيان الصهيوني وبوابة أوربا على الشرق الأوسط.

ورغم سوداوية هذا المشهد، فإن هنالك مايعزز فرصة لإيجاد حل سوري – سوري كنهاية لعصر العسكر والديكتاتوريات وذلك لعدة اسباب أهمها:

1-تطلع السوريين لدولة المواطنة وضمان أبسط الحقوق التي حرم منها كالحقوق السياسية وحق التعبير عن الرأي. 

٢-رغبة الدول المجاورة والإقليمية بوقف آثار الحرب السورية المزعزعة للإستقرار الإقليمي والدولي من الهجرة المتواصلة واللاجئين والأزمات الاقتصادية والخوف من امتداد الحرب لأراضيها. 

٣-خطر الجماعات المسلحة وانتشار تجارة المخدرات وارتفاع حالات الجريمة مما سيجبر السوريين للبحث عن حل عقلي اجتماعي لضمان السلم الأهلي. 

٤-خوض السوريين لتجارب اللجوء منها في دول نامية او متعثرة اقتصادياً، ومنها تجارب العيش في اوربا وكندا واميركا في ظل مجتمعات ديمقراطية متعايشة يحكمها القانون والسيادة فيها للشعب. 

٥-البيئة الاستثمارية الواعدة في سوريا بعد انتهاء الحرب وضرورة الإعمار وأهمية وجود دستور سوري جديد ينبأ بولادة سوريا جديدة. 

٦- تململ معظم السوريين من تواجد الميليشيات والحواجز والأتاوات والعصابات وغياب مؤسسات الدولة. 

٧-الحالة المعيشية المتردية لمعظم السوريين وظهور طبقتين في المجتمع طبقة الشعب المقهور وطبقة امراء الحرب التي تعمل على إطالة أمد الحرب. 

في ظل هذه المعطيات مجتمعة، حتماً سيجتمع السوريين على طاولة الخلاص وإنهاء حكم الفرد، والإلتفاف حول عقد جامع للسوريين يبشر بولادة دولة القانون والمواطنة التي تحتضن الجميع، ولكن قبل ذلك يجب صياغة وثيقة دستورية عليا يصيغها السوريين أنفسهم وتلائم حالتهم. 

3-ضرورات الوثيقة السياسية السورية :

ففي الحالة السورية يجب إيجاد وثيقة أو ميثاق فوق دستوري يتضمن مبادئ فوق دستورية، تكون أعلى من الدستور الحالي او المستقبلي نفسه، هذه المبادئ السامية العليا تشتمل على مبادئ منها ماهو دولي كوثيقة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة ومنها ماهو نابع عن التنسيقيات الثورية المحايدة والوطنية التي تأخذ بتطلعات الشعب السوري كأولوية وتضمن حقوقه وتكفل حرياته.

حتى يجتمع السوريين حول ميثاق جديد يجب الدعوة لعقد اجتماع يضم الاكاديميين والسياسيين المستقلين، الممثلين الحقيقيين للشعب السوري لوضع (ميثاق لمبادئ التعايش المشترك) يتضمن المعايير الناظمة يتخللها مدونة قواعد السلوك التي تجمع شمل السوريين وتضمن تحقيق العدالة وتؤسس لتعزيز مبادئ المواطنة في سوريا الأم.

4-من الحكم المطلق (الديكتاتوري) إلى الثورة :

 بعد انقلاب حافظ الأسد الأب على السلطة في سوريا ، وعمله على إخفاء جميع مظاهر الحياة السياسية من أحزاب وجمعيات وصحف ودوريات والتخلص من مناوئيه من خلال الاغتيال والإخفاء القسري وشيطنة الأحزاب ذات التوجه الديني ، بدأت مرحلة جديدة من نكوص الحياة السياسية وغياب الحريات واعتماد سياسة الحزب الواحد وهو حزب البعث حيث حاول المزاوجة مابين المعتقدات الدينية والتوجه القومي العربي ليكسب تعاطف الشعب السوري بمعظمه في ظل شعارات تحرير الجولان وفلسطين والعداء للإمبيريالية وللصهيونية العالمية وتحالفه المخفي المعلن في مايسمى (حلف المقاومة) لتشكيل ميليشات ظاهرها الولاء للعرب ومناصرة القضية الفلسطينية وباطنها العداء للعرب والمسلمين وانتهاز الفرص للغدر بهم ، بدءاً من فلسطين و لبنان ومن ثم العراق …ومهمة هذه الميليشات اقتصرت على المهمات الخارجية في حين كان دور لجان البعث وأفرع المخابرات التنكيل بالسوريين والفلسطينيين والتضييق عليهم .

وبعد وفاة الديكتاتور حافظ الأسد وخلال دقائق تمت جلسة صورية لمجلس الشعب ضمن مسرحية أمنية لتعديل الدستور السوري ليناسب نجله طبيب العيون بشار الأسد وليستلم الحكم كأصغر رئيس سوري أعزب ، تفائل السوريون بالانفتاح وعودة الحياة السورية مع الرئيس القادم من بريطانيا وزوجته السورية صاحبة الجنسية البريطانية ،إلا أنه خذل أمال وتطلعات السوريين المتعطشين للحريات والعيش في دولة القانون ، ليعمق بشار الأسد ومنظومته المستبدة من آثار الديكتاتورية والنظام الشمولي ،بزج عائلته الممتدة في تفاصيل الحياة الاقتصادية السورية وتحكمهم بالاتصالات والقمح والحبوب والموانئ والمعابر والطيران المدني وتجارة السيارات …..

وعندما بدء الربيع العربي في تونس ، بادر الشعب السوري للمطالبة بحقوقه السياسية والتغيير السياسي للوصول لسوريا الحداثة والكرامة .

واجه بشار الأسد إرادة الشعب بالحديد والنار ، وقمع المظاهرات وتشكيل الميليشات الغير رسمية لقتل أكبر عدد من المحتجين ،ونشر السلاح لشيطنة ثورة الشعب السوري وأدلجتهتا لاحقاً لتعميق انقسام الشعب السوري وتمحوره.

بدأت تنتشر لهيب الاحتجاجات لتشمل معظم المناطق السورية وبدأت يرتفع سقف مطالبها ليطال رأس نظام الحكم في سوريا والتغيير الشامل .

وبدأ السوريون في تذوق طعم الحرية وبدؤوا تنظيم أنفسهم وصياغة أهداف ثورتهم لنيل مرادهم في الانعتاق والعيش في دولة المواطنة ،رغم قسوة التضحيات والفقد والتهجير واستغلال الدول لثورتهم تبعاً لمصالح هذه الدول.

5_العقد الاجتماعي : بين ثورة السوريين والفيتو الدولي :

أن أهم ما يجعل انتصار الثورة امر حتمي ومنطقي ولاشك فيه ،هو كمية التضحيات التي بذلها الشعب السوري في سبيل حريته وكرامته ،وحيث أن الاحتجاجات الشعبية والحراك الاجتماعي الذي تحول لحراك سياسي ومن ثم عسكري مع غياب التكافؤ في الجانبين السياسي والعسكري وميل الكفة للنظام السوري وحلفاؤه , إلا أن الجانب الاجتماعي والذي هو أساس لأي تحول سياسي هو في صالح الشعب السوري والثورة السورية وذلك بعد صمود الشعب السوري مدة اثني عشر عاماً في وجه دول عظمى من فيتو روسي -صيني وتوغل إيراني وسياسة المصالح التركية بالمقايضة والفيتو الأميركي على السلاح النوعي للثوار ، إلا أن الدول لايمكن أن تتجاهل عناد وإصرار الشعب السوري على مطالبه وحقه في بناء دولته المعاصرة بعد أن دمرتها لاءاتهم وصمتهم المدوي على جرائم الإبادة التي تعرض لها الشعب السوري .

من هنا أصبح من العبث تجاهل مطالب الشعب سواء من قبل الدول العظمى أو الإقليمية ، وسيبادر الجميع لإيجاد مخرج لهذا المأزق الأخلاقي والمستنقع السوري الذي بدأ يبتلعهم ويصيبه بالبلل.

وعليه فإن أول خطوة لن ينالها الفيتو الغربي الآسيوي هو ترك السوريين للإلتفاف حول عقد اجتماعي لمخرج من هذه الدوامة ، هذا العقد سيكون قائم على العيش المشترك وخريطة طريق لماهية السلطة فسي سوريا المستقبل والتي تتضمن دستور يكفل حقوق السوريين ويحدد علاقتهم بالحاكم كخادم لجميع أفراد الشعب وحكومة تفصل بين السلطات الثلاث ويكون فيها للشعب حق انتخاب ممثلين انتخاب حر ونزيه ،وحجب الثقة عن الحكومة وإلغاء القانون في حال خالف إرادة الشعب وحل الحكومة في حال انتفاء الثقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وتعيين حكومة بديلة ،واستقلالية السلطة القضائية .

 

شارك المقال:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

ساهم في كتابة المقالات

ساهم مع عشرات الأصدقاء الذين يقومون بنشر مقالاتهم في برنامج واثقون بشكل دوري. اجعل صوتك مسموعًا وابدأ مشاركتك اليوم

قد يعجبك أيضًا

المقالات المشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *