العدالة الانتقالية في سوريا رحلة محفوفة بالتحديات والآمال 

25.06.2024

العدالة الانتقالية في سوريا رحلة محفوفة بالتحديات والآمال 

مرت سوريا بصراع دامٍ استمر أكثر من عقد من الزمن، خلّف وراءه مآسٍ هائلة وانتهاكات قانونية جسيمة. ومع انتهاء العمليات العسكرية الكبرى، وتوقع اقتراب الصراع من نهايته، تبرز الحاجة الماسة إلى تحقيق العدالة الانتقالية كركيزة أساسية لبناء مستقبل أفضل لسوريا.

ما هي العدالة الانتقالية؟

العدالة الانتقالية مفهوم حديث نسبياً يهدف إلى معالجة الانتهاكات القانونية الجسيمة التي حدثت أثناء فترة حكم دكتاتوري أو نزاع مسلح، وقد عرَّفت الأمم المتحدة العدالة الانتقالية أنها: العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة.

ففي سوريا وقعت العديد من الانتهاكات الجسيمة خلال الثورة السورية، ولعل أبرزها قتل مئات الآلاف واعتقال عشرات الآلاف وتهجير الملايين من السوريين، مما أدى لتقويض العدالة والأمان في سوريا، لذلك تبرز الحاجة الملحة لضرورة بناء مسارات للعدالة الانتقالية، للسير بالمجتمع السوري نحو السلام وبناء دولة القانون. 

ولعل من أهم أهداف العدالة الانتقالية في سوريا إنصاف الضحايا ومساءلة المجرمين لمنع تكرار الانتهاكات وإعادة الثقة بمؤسسات الدولة.                                                                                     

  فبالنسبة لمساءلة المجرمين فإن العدالة الجنائية المتمثلة بمحاسبة الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات القانونية وبالأخص جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، تعتبر هدفاً أساسياً وخطوة هامة في أي عملية من عمليات العدالة الانتقالية، وبما يتعلق بالوضع في سوريا ارتكب النظام السوري منذ بداية الثورة السورية العديد من الجرائم والانتهاكات، كذلك فعلت داعش بالإضافة إلى العديد من الجماعات المسلحة في سوريا، ولا بد من محاسبة مرتكبي الانتهاكات بغض النظر عن انتماءاتهم. ونتيجة لهذه الانتهاكات هناك عدد كبير من الضحايا ولا بد من إنصاف الضحايا وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم وتقديم الدعم اللازم لهم، فالضحايا هم المحور الأساس في عمليات العدالة الانتقالية. والغاية من محاسبة مرتكبي الانتهاكات ومن إجراء عملية العدالة الانتقالية هو منع تكرار الانتهاكات من خلال بناء مؤسسات قوية وفعالة تحترم حقوق الإنسان، وتقوم على مبدأ المشاركة المجتمعية. وذلك من خلال إعادة هيكلة المؤسسات بما يوافق القيم والمعايير العالمية.

وبالتأكيد إن مثل هذه الأهداف تحتاج إلى جهود كبيرة لتحقيقها وتحتاج إلى عمل منظم من قبل الجميع، والتغلب على الصعوبات والتحديات التي تعيق السير في طريق العدالة الانتقالية، ومن أهمها:

 الاستمرار في الصراع، فلا يزال الصراع في سوريا حتى اليوم مستمرًا بشكل محدود، مما يعيق عملية العدالة الانتقالية. وهذا يؤدي إلى غياب الإرادة السياسية، فلا توجد إرادة سياسية واضحة من قبل النظام السوري أو سلطات الأمر الواقع لتنفيذ العدالة الانتقالية. بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى العدالة، حيث يواجه الضحايا صعوبات كبيرة في الوصول إلى العدالة بسبب ضعف سيادة القانون وغياب المحاكم المختصة، فلا تزال سيادة القانون ضعيفة في سوريا، مما يهدد بمحاسبة مرتكبي الجرائم. 

كما أن نقص الموارد يعيق عملية تنفيذ العدالة الانتقالية بشكل شامل. والتحدي الأخير الذي يواجه المجتمع السوري والمنظمات الحقوقية العاملة في سوريا هو الضعف في جمع الأدلة حيث تُواجه المنظمات صعوبات في جمع الأدلة عن الانتهاكات القانونية المرتكبة بسبب الخوف من الملاحقة والتهديد، وبسبب غياب أصحاب الكفاءة في هذا المجال، فهناك كم كبير من البيانات على حساب النوع الذي من الممكن استخدامه في سياقات العدالة الانتقالية.

كل هذه التحديات أدت مجتمعة إلى عدم البدء ببناء مسار للعدالة الانتقالية، بل ربما دفعت البعض إلى اليأس والظن أنه لا مجال لإمكانية تطبيق العدالة الانتقالية في سوريا، لكن رغم هذه التحديات هناك العديد من الآفاق المتاحة لتنفيذ العدالة الانتقالية في سوريا:

وأهمها وجود إرادة دولية، حيث أعرب المجتمع الدولي عن دعمه لعملية العدالة الانتقالية في سوريا من خلال قرارات صادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة، وأبرزها القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن. ونتيجة لذلك تزايدت مطالب السوريين بالعدالة، حيث يطالب الشعب السوري بشكل متزايد بتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم. سواء من خلال المجتمع أو عبر وجود منظمات سورية تسعى للعدالة، فهناك العديد من المنظمات السورية التي تعمل على توثيق الانتهاكات والدعوة إلى تحقيق العدالة.

الخطوات التي يجب اتباعها لتنفيذ العدالة الانتقالية في سوريا:

لا بد من خطوات جدية وملموسة يجب على السوريين اتباعها، وأول هذه الخطوات هي العمل على استمرار الضغط الدولي، إذ يجب على المجتمع الدولي الاستمرار في الضغط على النظام السوري لتنفيذ التزاماته تجاه الشعب السوري بما يخص العدالة الانتقالية، وكذلك دعم المنظمات غير الحكومية للتمهيد لمسار العدالة الانتقالية، وخاصة المنظمات التي تعمل على توثيق الانتهاكات القانونية والدعوة إلى تحقيق العدالة. ويجب على هذه المنظمات أن تعمل بالتوازي مع المشاركة المجتمعية، حيث يجب إشراك جميع مكونات المجتمع السوري في عملية العدالة الانتقالية. وأن يعمل الجميع على إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية، لضمان سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. وأن تتاح لها الموارد الكافية لتلعب دوراً فعالاً في سبيل تحقيق العدالة الانتقالية.

إن تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا مهمة صعبة لكنها ضرورية لبناء مستقبل أفضل. من خلال الجهود المشتركة من قبل المجتمع الدولي والمنظمات السورية والشعب السوري، يمكن تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا وبناء سوريا جديدة قائمة على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.

شارك المقال:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

ساهم في كتابة المقالات

ساهم مع عشرات الأصدقاء الذين يقومون بنشر مقالاتهم في برنامج واثقون بشكل دوري. اجعل صوتك مسموعًا وابدأ مشاركتك اليوم

قد يعجبك أيضًا

المقالات المشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *