يُعتبر الشباب عماد كل أمة و أساسها، فهم قادة سفينة المجتمع نحو التقدم والتطور ونبض الحياة في عروق الوطن، ونبراس الأمل المضيء، و بسمة المستقبل المنير، وأداة فعالة للبناء والتنمية، وحينما يغيب دور الشباب أو يُساء ممارسته، تتسارع إلى الأمة بوادر الركود، وتعبث بها أيادي الانحطاط، وتتوقف عجلة التقدم والازدهار.
تُعتبر المشاركة السياسية للشباب السوري موضوعاً جوهرياً، خصوصاً بعد ما شهدته البلاد من تحولات كبيرة في الآونة الأخيرة، ويُظهر الشباب السوري اليوم اهتماماً بشؤون الحياة السياسية، لما لوجودهم في القرار السياسي من تأثير على مستقبلهم، ولقد تجلى ذلك بشكل واضح بعد ثورة السوريين في عام “2011”، فما إن بدأت الثورة، بدأنا نشاهد توجه الشباب السوري قُدُماً للمضي لمستقبل سياسي أفضل لبلدهم، بعد عقود من الزمن أفضت إلى حكم آلة القتل والتدمير التي ليس من شأنها فقط أن تدمّر المدن والبلدات، وإنما دمّرت كذلك العقول وأنهكت جيل الشباب، وصدمته بمجموعة من التحديات والعوائق، التي ساهمت في تأخر التحرر السياسي في البلاد وتمكين فئة الشباب من قيادة المرحلة الانتقالية فيها.
ولعل من أبرز التحديات التي واجهت ولا تزال الشباب السوري في صنع القرار السياسي لبلدهم، هي النظام الأمني القمعي الذي تمتهنه السلطات الحاكمة منذ عقود، لا سيما كما أسلفنا كيف أن الشباب هو من قاد ربيع السوريين في آذار عام 2011 ، فتعرَض حينها للاعتقال والتعذيب والقتل الممنهج، خصوصا أن النظام السياسي الحاكم للبلاد كان قد شدد من قبضته الأمنية بعد اندلاع الثورة السوريّة، وبعد فشل الأجهزة الأمنية في إيقاف الحراك الثوري، تحول العنف لاستخدام أساليب أخرى أكثر فتكا وعنفاً، فقامت تلك الأجهزة بتشكيل ميليشيات تابعة لها داخل المجتمع السوري، التي عملت على استهداف وانتقاء خيرة شباب الثورة السورية والعاملين في المجال الإنساني والمجتمعي، وقد حال ذلك دون إكمال طريقهم في النضال السياسي المنشود.
وعلى الجانب الآخر أيضاً، فقد تعرّض جزء من الشباب السوري الثائر لهذا التحدي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام الحاكم للبلاد، حيث تشكّلت في بعض مناطق السيطرة للقوى المعارضة في البلاد، تشكلت مكاتب أمنية للفصائل العسكرية بسبب تعدد المرجعيات والايديولوجيات لهذه الفصائل، ما أدى لتضاربها واتباع بعضها العنف ضد أي فئة تقوم بتوجيه الانتقاد لها، ومجدداً كانت الضحية هنا مرة أخرى فئة الشباب الثائر صاحب الكلمة الحرة وصوت الحقيقية.
حاجز آخر كان يقف كالسد المنيع أمام إرادة الشباب السوري في تحقيق تغيير في البلاد “الاقتصاد المنهار الهش”، فلا يخفى على أحد ظهور المستشارة الإعلامية لمكتب رئاسة الجمهورية على شاشات الإعلام الرسمية مع اندلاع الثورة، وهي تتحدث عن تخفيض أسعار السلع الغذائية وزيادة رواتب الموظفين، وكأن المشهد قد بدى لها ثورة جياع لا ثورة حريةٍ وكرامة، فجاءها الرّد من ساحات الحريّة بهتاف:
“يا بثينة يا شعبان الشعب السوري مو جوعان”
وكل ذلك في سبيل تغيير الحقائق من قبل النظام الحاكم لتشويه مبادئ الثورة و أسبابها الجوهرية، فكيف لا وقد خرج رئيس السلطة الحاكمة في إحدى خطاباته في عام “2012” وهو يقول:
((إذا لم يتم التوقف عن التحريض الخارجي تجاه سوريّة، فستصبح سوريّة مثل أفغانستان والصومال)).
وهنا رأى المحللون حينها بأن الكلام الذي نطق به الرئيس الحاكم، ما هو إلا تهديد ووعيد بتجويع البلاد وبث السلاح فيها ونشر الفوضى، وهو ما حدث بعد ذلك بالفعل.
وفي سياق آخر كانت الممارسات الممنهجة للسلطة الحاكمة في تدميرها للبنى التحتية، وإيقاعها البلاد في أزمة اقتصادية خانقة، كل ذلك أدى إلى انهيار الصناعة والزراعة والتجارة وزيادة التضخم المالي، وزاد الأمر سوءا الحصار الاقتصادي الذي فُرض على النظام الحاكم ولكن في الواقع كانت تأثيراته السلبية على المجتمع السوري فقط، فوصل الشباب السوري إلى مرحلة الجوع والفقر والعوز، وصرف ذلك نظر الشباب عن الأمور السياسية والقرار السياسي إلى الأمور المعيشية و أصبح همّه الأول كيف يستطيع تأمين لقمة العيش لأسرته بعد انهيار البلد اقتصاديا، ووصوله إلى أدنى معدلات الفقر العالميّة.
خطر آخر اجتمعت عليه دول إقليمية ومولته ودعمته وهيئت له الطريق السهل في عام “2015 ” عند تم فتح باب الهجرة التي فُرضت على الشباب حينها لأسباب داخل البلاد، ولعل ما قامت به السلطة الحاكمة من استهداف للشباب السوري الثائر من قتل واعتقال وتجويع و عسكرة، قد أدى إلى إفراغ البلاد من شبابها فكانت الهجرة القسرية الحل الأمثل لهم على الرغم من كل المخاطر التي تعرضوا لها في طريق هجرتهم، إلا أن الشباب السوري وجدها الملاذ الوحيد و الآمن للحصول عل حياة كريمة، وزادت وتيرة الهجرة بشكل ملحوظ بعد “2018” عندما بسطت السلطة الحاكمة سيطرتها على المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة لعدة سنوات، فحصلت موجات هجرة جديدة، داخلية وخارجيّة؛ منها الهجرة إلى أوروبا والهجرة الداخلية إلى الشمال السوري، فأدى كل ذلك لإفراغ المنطقة من خيرة شبابها الذين كافحوا لسنوات طوال في سبيل تحقيق حلمهم السياسي والوصول لبلد الحرية والكرامة.
دور الشباب السوري في صنع القرار السياسي ودعمه
إن الشباب السوري يمثلون اليوم قوّة محورية في صناعة التغيير وقادة مجتمعيين، من خلال تمكينهم وتوجيه طاقاتهم يمكن للشباب أن يكونوا عنصرًا فعّالًا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ يمتلك الشباب السوري الطاقة والحماس الكبيرة والقدرة على التفكير الإبداعي وابتكار حلول مناسبة لتذليل العقبات التي تواجههم وبذلك يمكن أن يكونوا روّادٌ في المسيرة السياسية، إذ يعتبر تمثيل الشباب في صناعة القرارات السياسية ضرورة ملحّة للتمثيل الشامل والمتوازن بين جميع فئات المجتمع، وهذا يساهم في تعزيز الشرعية والشفافية في العمل السياسي، ناهيك أنه لدى الشباب قدرة على التغيير الإيجابي وتطوير العمل الحكومي، لانّهم يمتلكون تفكير ابداعي، ورؤى جديدة. ومن المهم هنا تشجيع الشباب على المشاركة السياسية لأنّهم قادة المستقبل وعماد الأمة، وباختصار، يمثل الشباب السوري الحلقة الواعدة في صنع القرار السياسي في البلاد، ويمكنهم بدورهم المؤثر أن يلعبوا دورًا حاسمًا في بناء مستقبل ديمقراطي أفضل لسوريا.
وباعتبار أن هنالك دور محوري هام للشباب الحيوي في تحقيق التغيير السياسي في سوريا، يمكن أن تلعب الجهات المعنية والمنظمات الدولية والدول الداعمة والمجتمع المدني دورا هاما في دعم وتمكين الشباب وتوجيههم نحو المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية لبناء مستقبل ديمقراطي ومزدهر في البلاد، من خلال تشجيع الشباب على المشاركة في الأنشطة السياسية المحلية والوطنية، كما يمكن تقديم الدعم الفني والمالي للمبادرات الشبابية التي تهدف إلى تحقيق التغيير السياسي في سوريا، مثل حملات التوعية والأنشطة السياسية، كما يجب توفير منصات آمنة ومناسبة للشباب السوري للتعبير عن آرائهم ومطالبهم السياسية، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الفعاليات العامة.
طريقنا طويلة ، لكن يجب أن نواصل جهودنا، لأننا سنُحدث التغيير“
حملت الثورة السورية منذ انطلاقتها آمالاً كبيرة للشباب من أجل ولادة واقع جديد ينهي حالة التهميش السياسي التي كانوا يعيشونها. وفتحت أمامهم آفاقاً للمشاركة السياسية الفاعلة، وقد ساهمت الثورة السورية في عودة الشباب السوري على الانخراط بقوة في المجال السياسي وقضايا الشأن العام، وكانت الثورة السورية ولا زالت ذات طابع شبابي بامتياز، فلم يقف الشباب السوري متفرجين خلال سنوات الثورة بل كانوا قادة ومنسقين كما أسلفت، ولم يدخروا أي جهد في سبيل تحقيق أحلامهم الثورية للمسير بغمار الثورة إلى الأمام. ويتصدى الشباب السوري اليوم لجميع العقبات التي فرضتها عليهم مجريات الأحداث، حيث بتنا نشهد في الآونة الأخيرة التواصل الفعال للشباب السوري مع المنظمات العالمية والمحليّة، وهذا ما زاد ورفع من وعيه السياسي الذي كان مغيبا عنه في حياته، وعلى الرغم من هجرة الشباب السوريين إلى خارج حدود الوطن، فإنهم لم يقفوا متفرجين على أحلامهم الثورية تموت أمام أعينهم، بل سعوا في المهجر إلى إيصال المعاناة التي عاشتها بلاده إلى المحافل الدولية والعالمية، مع الحثّ على ضرورة حصول الشعب السوري على جميع حقوقه، ولم يكتفِ بذلك بل أعاد التواصل مع ثائري الداخل السوري، وحاولوا دعم رفاق دربهم فيه من خلال التوعية السياسية ونشرها في المجتمع عن طريق ناشطي الداخل للنهوض مرة أخرى وإحياء الثورة من جديد، و تبقى روح الأمل والتفاؤل حية في قلوب الشباب، مشعّة ومفعمة بالإصرار على تحقيق الأحلام وبناء مستقبل مشرق لسوريا وشعبها.