الروابط الوطنية ودورها في تعزيز حقوق الإنسان

موفق أحمد العلي

مقالة رأي
الكاتب : موفق أحمد العلي

الروابط الوطنية ودورها في تعزيز حقوق الإنسان

  1. الوطنية والقومية:

ثمّة لَبْس، في الفكر السياسي الحديث، عند استخدام مصطلحَي القومية والوطنية؛ فهذان المصطلحان في استخدامهما في العالم العربي المعاصر، مستوردان كما هما، في استخدامهما في الثقافة الغربية أصلاً.

وعلى الرغم من أن القومية والوطنية مصطلحان متقاربان، ويعبران عن الولاء المشترك، فإن كليهما ذو محتوى غير مستقر، لذا يجب التعامل معهما بشيء من الحذر؛ إذ تنطوي معانيهما في اللغات المختلفة، على ارتباطات وإيحاءات، منها العالية ومنها دون ذلك.. فقد نتفق على أن الوطنية هدف جيد، وشعور نبيل. ولكن هذا الاتفاق يضعف عند الحديث عن القومية، وخاصة عندنا معشر العرب، إذ إن الفكر القومي العربي عندنا يقف في شبه مواجهة مع الدين.

وإذا كانت القومية قد قامت على روابط ومقومات ومحددات واضحة ومعروفة: (كاللغة أو العرق أو الأرض أو الدين أو المشيئة المشتركة) فإن الروابط والمحددات والمقومات الوطنية ليست بتلك الدقة، إذ ربما يكفي فيها: تقبل الآخر، والعيش المشترك، والأرض، والاحتكام إلى الدساتير والقوانين الناظمة المتفق عليها. وهنا يبدو الاتفاق بينهما في (الإرادة المشتركة)

وإن بدايات ظهور هذه الأنواع من الولاء، في المنطقة العربية، كانت مطبوعة بطابع الوطنية وليس القومية، كما أنها كانت قد نشأت متأثرة بسابقاتها في أوروبا: (فرنسا وبريطانيا وربما إيطاليا) حيث تم تعريف الوطن والمواطنة، على أنهما الولاء الذي يكون فيه المواطن مديناً لوطنه. وعادة ما يتم تسديد هذا الولاء إلى الحكومة في الوقت المناسب[1]·

  1. ماذا تعني حقوق الإنسان :

حقوق الإنسان هي المبادئ الأخلاقية، أو المعايير الاجتماعية، التي تصف نموذجاً للسلوك البشري، الذي يُفهم منه عموما بأنه مجموعة من الحقوق الأساسية، التي لا يجوز المساس بها، وهي مستحقة وأصيلة لكل شخص، لمجرد كونه إنساناً. في البقعة التي يعيش فيها (الوطن) أو في العالم (المواطنة العالمية)

وهذه الحقوق ملازمة للإنسان، بصرف النظر عن هويته، أو وطنه، أو لغته، أو ديانته، أو أصله العرقي، أو أي وضع آخر. وتعد حماية هذه الحقوق مصانة ومحترمة، في إطار القوانين المحلية، وحتى الدولية.

ومن أهم نواتج حقوق الإنسان السلام المجتمعي:  فكلما عزز المجتمع حقوق الإنسان لشعبه، وحماها ووفَى بها، زادت فرصه في الحد من العنف، وفي حل النزاعات سلميا، أي في استتباب الأمن والسلام.

  1. المساواة في الإسلام :

ولا بأس هنا من الإشارة السريعة إلى أسبقية الإسلام وأوليته ، في إعلان حق المساواة، قولا وفعلاً:

  1. فالناس في الإسلام سواسية أمام الشريعة، حيث جاء في الحديث الشريف” كلكم لآدم وآدم من تراب. لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى”
  2. ولا تمايز بين الأفراد في تطبيقها عليهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”.
  3. وقد طبق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك بعبارته الشهيرة: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟.)

وهذه ليست أول دعوة وأول تطبيق لحقوق الإنسان في العالم فقط، ولا أول مواطنة في تاريخ البشرية فحسب، ولكنها أول دعوة إلى المواطنة العالمية، وإن اختلفت المصطلحات بحسب العصور التاريخية.

  1. قانونية حقوق الإنسان:

إن هذه الحقوق، الإنسانية والوطنية، هي حقوق تنص عليها الدساتير والقوانين والمواثيق والمعاهدات، فلا يجوز أن تُنتزع أو يتم التجاوز عليها، إلا من خلال إجراءات قانونية، ومحاكمات رسمية أصولية، تضمن عدم ضياع تلك الحقوق، وتقر بأنّ لجميع أفراد الأسرة البشرية، قيمةً وكرامةً أصيلة فيهم.

وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن والأمان، ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته الشخصية، في ظل وطن حر وعادل.

  • فالاعتراف بالكرامة المتأصلة لدى الأسرة البشرية، وبحقوقها المتساوية الثابتة، يعـد ركيزة أساسية للحرية والعدل، وتحقيق السلام في الوطن، ومن ثم في العالم.
  • وازدراء حقوق الإنسان، أو إغفالها، أو التغاضي عنها، أمر يفضي إلى كوارث وطنية، وأعمال همجية ضد الإنسانية، تؤدي إلى الإيذاء، وتخلف جروحا وشروخا عميقة في الضمير الإنساني.
  • ولهذا فإنه من الضروري والواجب أن تتولى القوانين الوطنية والتشريعات الدولية ، حماية حقوق الإنسان؛ لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم، ولكي لا يشهد العالم والإنسانية مزيدا من الكوارث ضد حقوق الإنسان والضمير الإنساني جميعا، وانتشاراً للعنف والتطرف، المغلفين بغلاف الحق والعدل، والمعززين بحجة حماية حقوق الإنسان.
  1. المواطنة وحقوق الإنسان:

يلتقي مفهوم المواطنة مع مفهوم حقوق الإنسان، ويتداخل معه في كل شأن من شؤون الحياة، بحيث يمكن القول: إنهما وجهان لعملة واحدة. ويمكن أن نكتشف هذا التداخل بوضوح، عندما نرجع إلى تاريخ ظهورهما والاهتمام بهما.

فالاهتمام بقضية حقوق الإنسان هو اهتمام بأن يكون للفرد هوية في مجتمعه، أي تأكيد على مواطنة الفرد، وانتمائه إلى كيان اجتماعي أكبر منه. وكذلك فإن الاهتمام بعضوية الفرد في المجتمع “كمواطن” هو اهتمام بحقوق هذا المواطن، بوصفه إنساناً بشراً، وهو اهتمام بما يطلب منه من واجبات عليه أن يؤديها للوطن، مقابل الحقوق التي ينالها، في إطار الوطن.

ويحدث الالتقاء بين المواطنة وحقوق الإنسان في كل معنى من معاني المواطنة:

1) فإذا فهمنا معنى المواطنة فهماً قانونياً، فإننا نفهمها علي أنها عضوية قانونية داخل الدولة، يكتسب من خلالها الفرد وضعاً قانونياً حقوقيا، يرتبط بحمل الجنسية، ووثائق الهوية القانونية، وغيرهما. وإذا فهمت المواطنة بهذا المعني القانوني؛ فإنها ترتبط بالحقوق، فلا مكانة قانونية إلا وراءها حقوق مكتسبة، أقلها الحصول على الوثائق المؤكدة للهوية القانونية.

2) وإذا ما اتسع فهم معنى المواطنة ليشمل العضوية في المجتمع، وما يرتبط بذلك من العمل والمشاركة السياسية، والمشاركة في الفرص المختلفة، التي يوفرها المجتمع، تأتي قضية الحقوق في الصدارة، حيث تعرف عضوية المجتمع عبر الاستحقاقات التي تخول للمواطنين أن يتمتعوا بها، وعبر الواجبات التي توجب عليهم أن يقوموا بها.

3) وإذا ما فُهمت المواطنة على أنها القاعدة التي تتأسس عليها الدولة الوطنية، التي تشكل الوعاء الأكبر للانتماء، فإن الدولة الوطنية لا تستطيع أن تستمر في الوجود إلا إذا رعت الحقوق الإنسانية لمواطنيها.

4) وأخيراً.. فإذا فُهمت المواطنة على إنها طاقة انتماء، تجعل الفرد مشاركاً نشطاً في حياة مجتمعه، فإن طاقة الانتماء هذه لا تؤتي ثمارها المرجوة، إلا إذا رافقتها حقوق مدنية للمواطنين؛ فالشخص الذي تسلب حقوقه، يتحول إلى شخص فاقد للانتماء، غير قادر على أن يشحذ همته من أجل الوطن. وبهذه الطريقة من الفهم نجد أن كلّاً من المفهومين يؤدي إلى الآخر، فلا مواطنة بغير حقوق، ولا حقوق بغير مواطنة.

5) ونستطيع أن نتتبع العلاقة بين هذين المفهومين، عبر مستوى آخر، هو المستوى التاريخي، فالمفهومان يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالفكر الليبرالي، الذي نادت به ثورات القرن الثامن عشر (الثورة الفرنسية عام 1789م، والثورة الأمريكية عام 1765م) إذ نادت بالمساواة بين البشر، وأعلنت أن البشر قد خلقوا وولدوا متساوين، ولهم الحقوق نفسها. ودعت هذه الثورات، إلى حرية المواطنين، وإلى أنهم يتمتعون بحقوق متساوية، في دولة وطنية. وعلى هذه الأسس جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 1948م، وأكد على مبادئ العدالة والمساواة. وهكذا استطاع الفكر الليبرالي الحر أن يبلور علاقة متينة، بين المواطنة وحقوق الإنسان.

6) ثم إن التوسع في مفهوم حقوق الإنسان، والنظر إليه على أنه حق عام، اقتضى أن يشمل الأفراد في كل أنحاء العالم. وقد أدى هذا الفكر إلى التوسع في مفهوم المواطنة أيضاً، بحيث بدأ الحديث الآن عن المواطنة العالمية، التي تشير في أحد معانيها إلى التمتع بالمواطنة، ومن ثم الحقوق، في أي مكان في العالم.

وهذا أحد الأسس التي تحمي حقوق المهاجرين واللاجئين، الذين يشكلون أقليات في بعض البلدان. حيث بدأت تظهر العديد من الدعوات، التي تناقش هذه القضية الشائكة، وتعالج إشكاليات العلاقة بين المواطنة وبين حقوق الإنسان.

  1. الوطنية و تعزيز حقوق الإنسان:

يكمن دور الروابط الوطنية في تعزيز حقوق الإنسان، في أن الرابطة الوطنية تعني تمكين الدولة، والمؤسسات الوطنية التابعة لها، من تنفيذ التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، وتعزيز سيادة القانون، والمساعدة في بناء ثقافة حقوق الإنسان، داخل الوطن باديَ الرأي على الأقل؛ وذلك لتحقيق السلام والأمن المستدامين؛ وتمكين المواطنين من تأكيد حقوقهم الإنسانية الفردية في نطاق الوطن، دون أن تنظر إلى أهداف عالمية. ولكن تطور الأحداث في العالم، لحسن الحظ، اتجه بها نحو العالمية.

ويتضمن تعزيز حقوق الإنسان الدعوة إلى اعتماد الالتزام بمدونات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية. ويعد دمج حقوق الإنسان في القانون الوطني المحلي هدفًا مشروعًا، للجمعيات الخيرية، التي تعمل على تعزيز حقوق الإنسان.

وتعزيز حقوق الإنسان هو هدف إنساني، يجب أن يستفيد منه الأشخاص المتضررون، أو المعرضون للضرر، وذلك من خلال حماية الأفراد والمجموعات، المعرضين لخطر انتهاك حقوق الإنسان أكثر من غيرهم.

وأهم ما يجب القيام به في هذا المجال هو: أولا: عدم التمييز، وثانياً: الإدماج المجتمعي للفئات المعرضة للخطر، لضمان المساواة في وصولهم إلى حقوقهم، في المناطق الجغرافية المحددة، أي في الوطن المشترك.

  1. الدساتير والمواثيق:

ولعل السؤال الأكثر بروزاً هنا هو: إلى أي مدى تتوافق دساتير الدول الوطنية، مع المواثيق الدولية المنظمة لحقوق الإنسان؟. حيث نصت دساتير بعض الدول الوطنية على مبادئ، لحماية حقوق الإنسان وخصوصيته، وعلى مبادئ منظمة لهذه الحقوق، مثل الحرية والعدل والمساواة. انطلاقا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وهذه قضية مهمة في مسألة المواطنة وحقوق الإنسان ، فحقوق المواطنين يجب أن يتم تنظيمها وتأكيدها من خلال الدساتير والقوانين والمواثيق والمعاهدات؛ حيث يجب أن تتوافق تلك الدساتير مع المتطلبات التي تفرضها المواطنة العالمية، وتتكشف من خلال التوافق، بين القوانين والنصوص الدستورية الوطنية المحلية، وبين المواثيق والمعاهدات الإنسانية الدولية.

وتكتمل هذه الرؤية من خلال ما يتم داخل المجتمع، من إجراءات وتوافقات، لحماية حقوق الإنسان، أو السعي نحو تأكيد إنسانية الإنسان، بصرف النظر عن انتمائه الديني أو العرقي أو اللغوي أو الإقليمي.

  1. وثيقة الأخوَّة الإنسانية:

ومن أبرز ما ظهر حديثا في هذا المجال: وثيقة تسمى: (وثيقة الأخوة الإنسانية) وقد صدرت في أبو ظبي، في الرابع من شباط/ فبراير عام 2019 واتفق عليها الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، وهي وثيقة تعبر عن الإرادة المدنية للمؤسسات الدينية الكبرى (الإسلام والمسيحية) وتعبر عن رغبة هذه المؤسسات في أن تتجاوز الأطر الدينية المحدودة، وتنطلق إلى آفاق العالمية، لتؤكد إنسانية الإنسان أينما كان. ولا مراء في أن هذه الإرادة هي إحدى الوسائل المهمة، التي يمكن أن تقف حاجزا صلباً في وجه العنف، وسدا منيعاً في مواجهة التطرف.

وهي وثيقة مطولة. أقتطف مما جاء فيها ما يلي:

  • (إن مفهوم المواطنة يقوم على المساواة في الواجبات والحقوق[2]، التي ينعم الجميع في ظلالها بالعدل؛ لذا بجب العمل على ترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة في مجتمعاتنا، والتخلي عن الاستخدام الإقصائي لمصطلح الأقليات، الذي يحمل في طياته الإحساس بالعزلة والدونية، ويمهد الطريق لبذور الفتن والشقاق، ويصادر استحقاقات وحقوق بعض المواطنين الدينية والمدنية، ويؤدي الى ممارسة التمييز ضدهم..)
  • (الاعتراف بحق المرأة في التعليم والعمل، وممارسة حقوقها السياسية، هو ضرورة ملحة. وكذلك وجوب تحريرها من الضغوط التاريخية والاجتماعية، المنافية لثوابت إنسانيتها وكرامتها. ويجب حمايتها من الاستغلال الجنسي، ومن معاملتها كسلعة او أداة للتمتع والتربح؛ لذا يجب وقف كل الممارسات اللاإنسانية، والعادات المهينة لكرامة المرأة، وتعديل التشريعات التي تحول دون حصول النساء على حقوقهن كاملة.)
  • وأهم ما أشارت إليه الوثيقة هو: (حقوق الاطفال الأساسية، في التنشئة الاسرية والتغذية والتعليم والرعاية) و (حقوق المسنين والضعفاء، وذوي الاحتياجات الخاصة، والمستضعفين) ووصفتها بأنها (ضرورة دينية واجتماعية، يجب العمل على توفيرها وحمايتها بتشريعات حازمة، وبتطبيق المواثيق الدولية الخاصة بهذه الحالات.)

وهذه الأمور الإيجابية وطنيا وإنسانياً، تحسب لصالح هذه الوثيقة.

  1. التناول القانوني:

لا شك في أن التناول القانوني لقضية المواطنة، وتعزيزها لحقوق الإنسان، يثير إشكالية مهمة، تتمثل في التوازن القانوني بين (الحقوق والواجبات) وبعبارة أخرى بين الاستحقاقات والمسؤوليات.

فقد تناول الدارسون الأبعاد القانونية للمواطنة، موضحين طبيعة العلاقة بين المواطنة وبين الحقوق، على اعتبار أن المواطنة بالأساس هي حق من الحقوق أيضاً. كما تناولت بعض الدراسات، التي تدور حول الوطنية والمواطنة، العلاقة بين ممارسة الحق وبين تحمل المسئولية. وهذه العلاقة هي الركن الأساسي في قضية حقوق الإنسان، سواء في الوطن الضيق أو في العالم الواسع؛ فالحق لا يستقيم إلا في ضوء الواجب، فإذا ضاع الحق فإن القانون يرده إلى أصحابه، وإذا اختل الواجب فإن القانون يلزم المكلفين به والمسؤولين عنه بالقيام بواجباتهم، تحت طائلة المسؤولية.

وهذه القضية تثير قضية أخرى، تتعلق بمدى الانضباط في أداء الواجب مقابل الحصول على الحقوق. فإن هذا الانضباط يجب ألا يرد إلى الانضباط القانوني فحسب، وإنما يجب أن ينبع من داخل الأفراد، ومن ضمائرهم الذاتية. فالوازع الداخلي أقوى وأكثر ديمومة من الوازع الخارجي؛ لذا يجب أن يكون هو المحرك الرئيسي في أداء الواجب.

  1. دور التربية والتعليم:

وتأتي قضية التربية والتعليم على رأس القضايا المرتبطة بالمواطنة، وبالحقوق المدنية، فمن خلال عمليات التربية والتعليم، يتم غرس ثقافة المواطنة، التي تؤدي بدورها إلى ازدهار ثقافة حقوق الإنسان.

وفي هذا الإطار، يجب ألا يتجه التعليم نحو التكوين المعرفي والمهاري فحسب، وإنما يجب أن يتجه نحو بناء الإنسان، وعلى تكوينه عقلياً ونفسياً ووجدانياً، ومن ثم فإن التعليم بدأ يتجه في كثير من البلدان – جنباً إلى جنب مع الأسرة ومؤسسات الاتصال الجماهيري- نحو تكوين منظومة القيم الاجتماعية، وعلى رأسها قيم المواطنة، التي تتمحور حول قيمة إيمان المواطن بمبدأ الاختلاف، الذي – إذا ما توافر- فإنه يؤدي إلى تكوين قيم الاحترام والتسامح والثقة والتعاطف. وبالتالي تكون المواطنة الحقيقية هي التي تعزز حقوق الإنسان.

والحق أن دعم هذا النوع من التعليم، العقلي والنفسي والوجداني، كفيل بأن يخلق ثقافة محملة بالروح المدنية، تلك الروح التي يتأسس عليها الاجتماع البشري أصلاً.[3]

 ويشهد مفهوم حقوق الإنسان يوماً بعد يوم اتساعاً، يساعد على ذلك تنامي الخطاب، الإقليمي والعالمي ، حول المواطنة وحقوق الإنسان. وقد أدى ذلك إلى أن يتجاوز مفهوم حقوق الإنسان الحقوق المادية الملموسة فحسب، كحق القرابة والجوار والعمل، إلى الحقوق المعنوية المحسوسة، كالحق في الكرامة والمشاركة والعيش الآمن.

  1. الحقوق المعنوية:

مر بنا آنفا أن الحقوق نوعان مادية ومعنوية. وقد أشار بعض الباحثين في هذا الشأن، إلى الحقوق المعنوية، ومنها:

1) الحق في احترام الخصوصية الاجتماعية والثقافية. وهو حق أصيل يرتبط باستقلال الإنسان، وحريته في اختيار أسلوب حياته، التي يجب ألا يتدخل فيها الآخرون، بأي شكل من الأشكال.

وتنص معظم الدساتير الوطنية، ووثائق الحقوق المدنية، على هذا الحق. ولاشك في أن التنبه إلى هذا، في مجتمع كمجتمعنا، يعدُّ أمراً بالغ الأهمية، حيث تسمح الثقافة، السائدة بين الناس، بالتدخل في الخصوصيات، في غياب الحماية لها؛ مما يحرم الإنسان من هذا الحق الأصيل. ومثل هذه الثقافة تجب محاربتها؛ لكي تحل محلها ثقافة احترام الخصوصية، وعدم انتهاكها بأي شكل من الأشكال، من خلال التربية النفسية، وخلق الدافع الداخلي والحافز الوجداني، حتى في غياب القانون وقوة الحماية.

2) الحق في مواجهة العنف والفكر المتطرف. والحقيقة أن هذه الإشارة تستحق التأمل والمساندة؛ لأن المجتمعات الحديثة لا تعاني فقط من فقدان الخصوصية، وإنما تعاني أيضاً من انتهاك أمنها واستقرارها عبر التطرف، وما يترتب عليه من عنف وإرهاب. فالحق في مكافحة التطرف هو في الوقت نفسه حق في مواجهة الإرهاب. وهما من حقوق المواطن في مواجهة التطرف والإرهاب. ولاشك في أن الوعي بهذا الحق، وانتشاره عبر الضمير الجمعي للأمة، يحشد المجتمع ضد التطرف والإرهاب، ومن ثم يحميه من مظاهر عدم الاستقرار وعدم الأمن.

  1. وأخـيــراً :

لابد من الإشارة إلى أن الجهود الوطنية المحلية، التي تبذل لحماية حقوق المواطنة، أدت إلى تشكيل المجالس الوطنية والقومية، وحتى الدولية، لحقوق الإنسان، كنموذج لحماية حقوق المواطن، على اعتبار أنه إنسان مواطن أو مواطن إنسان.

والاهتمام بمثل هذه التنظيمات المحلية، التي تحمي الحقوق المدنية، فيه إشارة إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بوجود نصوص دستورية وطنية وقانونية محلية، ولا بوجود وثائق دولية وإعلانات عالمية، ولكنه يتعلق أولاً وأخيراً بالممارسات العملية، التي من دونها لا تكون هناك حقوق، ولا تكون هناك مواطنة. وهذا لا يتأتى إلا من خلال التربية.

وفي الختام: لا بد من تيسير نشر مثل هذه الأمور، التي تهتم بهذه الأفكار، لإثراء الأفكار، التي ترقى بالخطاب الثقافي والأكاديمي والسياسي، حول المواطنة، والحقوق المدنية، وحقوق الإنسان؛ لتنتشر مثل هذه المصطلحات الجيوسياسية، وتصبح من بدهيات الثقافة اليومية، لدى شتى المستويات الثقافية، بين أبناء الوطن الواحد.

وعندها تتجذر الروابط الوطنية، ويكون لها الدور الفعال في تعزيز حقوق الإنسان، وطنيا وعالمياً.

منظمة مارس، هي منظمة حيادية توفر مساحة حرة للتعبير عن الأفكار والآراء ،نود التأكيد بأن المعلومات والآراء والأفكار الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي قائلها، ولا تعكس بالضرورة مواقف أو سياسات المنظمة ومنصاتها.

شارك المقال:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

ساهم في كتابة المقالات

ساهم مع عشرات الأصدقاء الذين يقومون بنشر مقالاتهم في برنامج واثقون بشكل دوري. اجعل صوتك مسموعًا وابدأ مشاركتك اليوم

قد يعجبك أيضًا

المقالات المشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *