تختلف أنظمة الحكم بمختلف بلاد العالم، وتتنوع بطريقة عملها وآلياتها وأهدافها وكيفية تأثيرها على حياة الناس لتعكس عوامل تتفرد بها كل دولة عن الأخرى، فنجد بعض الدول لديها الأنظمة الديمقراطية والمستقرة وبالمقابل نجد دول ذات أنظمة استبدادية وفي حالة عدم استقرار شبه دائم، ولهذا يجب أن نركز ونسلط الضوء على هذه الاختلافات وما هي الفوائد التي ستعود على المجتمع ككل في حال تبني السوريين للديمقراطية ليس كنظام حكم فقط، بل تبنيها كأسلوب حياة.
يعرف الجميع الديمقراطية بأنها حكم الشعب دون أي تفسير لآلياتها وصفاتها، و هذا التعريف لا يفي بالغرض ولا يكفي لتبني أي فرد سوري الديمقراطية، فمن الضروري كأي أمر جديد وغير مألوف ينتشر أن يتم التعليم عنه وتوضيح ماهيته وماذا يفيد وما أضراره أولا، وهذا ما يجب أن يتم توضيحه عن الديمقراطية، فلا نكتفي بتعريف بسيط بل من الضروري توضيح أن الديمقراطية هي نظام يهدف إلى ضمان رفاهية الناس ودعم حرياتهم وحماية حقوقهم على جميع الأصعدة حتى سياسيا، والمساواة بين أفراد الشعب بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم وطوائفهم وجنسهم ووضعهم الاجتماعي، فيكون جميع مواطني الدولة بمختلف تنوعاتهم ومناصبهم خاضعين لسلطة القانون وسيادته وأن لكل فرد منهم دور وحق في صنع القرار. (Balaji، 2023).
تأتي أهمية الديمقراطية لأي مجتمع من كونها وسيلة لتسمع أصوات المواطنين وتؤخذ احتياجاتهم وشواغلهم في الاعتبار من قبل الحكومة، ومن أنها تضمن قدرة المواطنين التعبير عن أنفسهم دون خوف من الانتقام والمحاسبة على هذه الآراء، ولأنها تضمن لجميع المواطنين الحصول على فرص متساوية سياسيا واقتصاديا دون تمييز أي فئة عن الأخرى، وهذه كلها تصنف كمشاكل وعوائق عانى الشعب السوري من عدم تحصيلها ما عانى، وبأن هذه العوامل هي التي كانت تشكل المطالب عند بدء الثورة ولهذا يجب التأكيد على أن الديمقراطية والعمل على نشرها وتطبيقها هو الحل الأمثل في سوريا والذي به تحقيق لمطالب الشعب السوري وآماله.
يحتاج الطريق لتحقيق الديمقراطية عملا كثيرا والانتقال لها يحتاج الكثير من التخطيط والجهد ومواجهة التحديات وتجاوز العقبات خصوصا في حالة سوريا والصراع المستمر فيها ومصالح ومساعي الدول التي فيها وتأثير الجهات الخارجية وانعدام الثقة بين الأطراف والمجموعات المختلفة فيها وعدم المسامحة واحترام التنوع المتواجد، وبالتأكيد لن تكون الديمقراطية الدواء الشافي الذي سيغير كل شيء بلحظة ولكن لا بد لنا من نقطة لنبدأ منها في طريق تحقيق السلام وتعزيز الديمقراطية لدى فئات الشعب السوري كافة دون استثناء، فلا بد لكل سوري أن يعرف ما له وما عليه وما يحق له وما يحاسب عنه وأن يكون مدرك تماما لأهمية دوره في صنع القرار وبأنه مسؤول على المحاسبة للقادة حتى، وأن من واجبه العمل للصالح العام عن فهم ودراية وليس لمجرد المشاركة فقط.
ولتحقيق ذلك لا بد لنا من بذل الجهد في عدة مجالات كلها تصب في تعزيز الوعي للديمقراطية و أولها وعلى رأسها تعزيز التعليم والذي أرى أنه أساس المجتمع الديمقراطي حيث يساعد في خلق ثقافة ديمقراطية بين الأجيال القادمة ويمكن ذلك من خلال تضمين المفاهيم والممارسات الديمقراطية في المناهج المدرسية على جميع المستويات وتعريفهم ماهي حقوقهم وواجباتهم كمواطنين من خلال تنفيذ نوادي للنقاش وعمل مشاريع لخدمة المجتمع، ثانيا التثقيف والتوعية وأرى أن هذا الجزء يقطع على عاتق المنظمات المجتمعية والمدنية فيمكن تنظيم برامج تعليمية تعزز محو الأمية المدنية والتفكير النقدي والمسؤولية الاجتماعية.وأن تتضمن هذه البرامج ورش عمل وندوات وفعاليات مجتمعية تشرك المواطنين في الحوار والنقاش حول القيم والمبادئ الديمقراطية. بالإضافة إلى إمكانية استخدام الانترنت لنشر حملات وندوات توعوية وتعليمية خصوصا في ظل الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي وضمان تواجد مختلف فئات المجتمع وتنوع الفئات العمرية لتساعدهم في تطوير المعرفة والمهارات والقيم اللازمة للمشاركة بفعالية في العملية الديمقراطية. (عبد الكريم، 2011).
ومما قد يفيد أيضا في تعزيز الديمقراطية هو نشر التجارب السابقة في بلاد عديدة في التحول والوصول إلى الديمقراطية بعد حالات من الصراع الطويل الأمد، وما أثمرت به هذه التجارب وأنتجته، فتكون سبيلا ومرجعا نستنير منها ونستنبط ما قد يفيد منها في التجربة السورية والعمل عليه، كتجارب جنوب افريقيا وتشيلي والبرازيل وغيرها (راقب، 2016).
إن خلق مجتمع واع مثقف مدرك للديمقراطية وأسسها وما تحتاجه سوريا هو الخطوة الأولى للحل ومن بعدها تأتي أهمية أن يجتمع أفراد هذا المجتمع على رأي واحد بما يخص مستقبلهم في سوريا، ثم أهمية وضرورة وجود وتجمع أشخاص فاعلين وطنيين قادرين على السعي للوصول إلى حل سياسي في سوريا وتولي شؤون سير البلاد في المرحلة الانتقالية وإنشاء مؤسسات تضمن الانتقال السلمي والحقيقي للديمقراطية بما فيها مؤسسات وهيئات دستورية تعمل بعد إنشاء دستور ديمقراطي جديد للبلاد على ضمان تنفيذه وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم، ومؤسسات انتخابية شفافة وخاضعة للمساءلة تعمل على إنشاء لجان انتخابية مستقلة تكون مسؤولة عن إجراء انتخابات حرة ونزيهة وخالية من الترهيب والتزوير، ومؤسسات قضائية وهي أمر بالغ الأهمية لضمان سيادة القانون وحماية الحقوق والحريات الفردية وأن تكون في مأمن من التدخل السياسي والفساد والترهيب، و أن تكون لديها القدرة على إنفاذ القانون ومحاسبة من ينتهكه. بالإضافة لمؤسسات المجتمع المدني وجماعات حقوق الإنسان والمؤسسات التنفيذية اللازمة في الدولة.
وختاما قد يرى البعض أن الحديث عن الديمقراطية أمر سابق لأوانه في ظل عدم الاستقرار الذي ما زالت سوريا تعيشه إلى حد اليوم وقد يرى البعض أن السوريين غير مستعدين لتقبل الديمقراطية كأسلوب حياة، ولكني أرى أن ذلك ليس إلا عن عدم فهم للديمقراطية أو يمكن القول أنه من الفهم الخاطئ والمنتشر لها والذي لا يتقبله معظم الشعب السوري من مبدأ تعارض بعض الحريات الفردية مع الدين الإسلامي، وهنا نعود للتأكيد على نقطتنا الأساسية ألا وهي أهمية تعزيز مفهوم الديمقراطية بالشكل الصحيح.