الدراما السورية : المدرسة الفكرية للديكتاتورية
مقالة رأي بقلم لبنى معدل
كما نعلم جميعاً أن الفن هو عمل إبداعي هدفه الوصول للمتذوق ليطلق عليه حكماً جمالياً.
ويختلف الحكم على العمل الفني من متذوق لآخر لعدة اسباب منها درجة الجهد والإبداع من قبل الفنان، وحسب وعي وثقافة واهتمام وميول ورغبات المتذوق.
فمن هنا نجد أن الفن عناصر هو فنان مبدع ورسالة فنية ومتذوق وعندها يكتمل العمل الفني ليصبح واقع مشخص على أرض الواقع.
والفن يشمل كل ماهو إبداعي كالرسم والشعر والموسيقى والتمثيل…..
لكن ماذا لوكان الفن هو تخدير فكري أو تسميم للأفكار او تمييع لمسائل يعتبرها المجتمع منبوذة وغريبة عنه؟
هل الدراما السورية سلاح ثقافي لتغيير ونسف الضوابط الاجتماعية؟
1-الدراما السورية في الخمسينيات :
كانت الأعمال الدرامية في الخمسينات متنوعة ومنفتحة بإتجاه التحرر والترفيه الكوميدي وهدفها إظهار المجتمع السوري بمظهر المتحرر واحتوت على مساحة اوسع للنقد السياسي وقريبة من ملامسة هموم المواطن السوري والعربي واحياناً تقليد الأعمال الغربية في كل التفاصيل كاللباس وقصات الشعر والحفلات وتعاطي المشروبات الكحولية والتدخين…. وكأنها تعكس حالة التعددية السياسية والانفتاح الفكري والتقرب من طريقة الحياة الغربية.
فالأعمال الدرامية كانت مرتبطة بالطبقة المخملية والمتنفذة في سوريا في حين نشطت الأعمال المسرحية والأفلام السينمائية، حيث كان هنالك العديد من الأعمال السينمائية المشتركة مع مصر ولبنان كتوجه سياسي عربي لنشر ذهنية الوحدة العربية….
٢-الدراما السورية بعد الانقلاب الأخير :
بعد انقلاب حافظ الاسد أو مايسمى الحركة التصحيحية وسيطرته على السلطة بشكل مطلق، بدأت الحياة السياسية بالتراجع ومعها بدأت الحياة الفنية بالتلاشي وأصبحت الأعمال الدرامية على مقاس السلطة، فالمواضيع التي تتناولها لاتتعدى الأعمال الكوميدية والفنتازيا وأعمال تتحدث عن فضائل القائد وتمجيد الحاكم وتخلف الشعب وحاجته للقبضة الأمنية ورغم ذلك كان هنالك رقابة على الأعمال الفنية لمراعاة الذوق العام وعادات المجتمع السوري والسياق المحلي، فأخذت الدراما وضع الجمود وقالب مكرر لايحمل أي جديد.
٣-الدراما السورية في عهد الديكتاتور الإبن :
بدأت الأعمال الدرامية في عهد بشار الأسد وكأنها اداة للتغيير ونشر الوعي للتخلص من الفساد وفضح الفاسدين…
ما لبست أن تحولت لأداة للتخدير ووسم الشعب بالفساد الأخلاقي والمهني وأن المجتمع غابة والدولة هي من تضمن أمن واستقرار السوريين وكأنهم شعب بدائي متعطش للمال والجنس ويسود بينه الأنانية وحب الذات والتسلط…
فبعض الأعمال الدرامية تناولت الفساد بطريقة ساخرة ومقننة وكأنها جزء من حياة السوريين ولتمرير بعض طرق التحايل على القانون وتعليم السوريين طرق جديدة للفساد والجريمة بطرق مبتكرة ومعاصرة ليتم تمرير فكرة شيوع الفساد عند المتابع السوري في اللاوعي أولتصبح لديه أفكار وتصورات مسبقة سلبية عن كل من حوله وان الشر متأصل في داخل كل سوري وعليه تقبل الواقع والتعايش معه.
وبعض الأعمال الدرامية كانت تتناول المجتمع السوري على انه منقسم لمجتمع ريفي جاهل وآخر متمدن يمتلك الثروة والمهارات والقيم لكن يتعامل فيها بشكل نسبي مع من يستأهلها ، وساهمت بشكل أو بآخر بتبرير الانقسام الطبقي.
وبعض الأعمال الدرامية يتناول حياة المسؤولين المترفة واستغلال نفوذهم وكونهم سبب في المحسوبيات والفقر وغياب القانون ليأتي دور السلطة بطريقة بطولية لإنقاذ الشعب من براثن هذه الوحوش البشرية.
وبعض الأعمال الدرامية تتناول ظلم المجتمع والعادات البالية للمجتمعات المحافظة وانتشار الخرافة في حين أن هناك شخص واحد مثالي ومثقف وخلوق يقف في وجه المجتمع المتخلف لينتصر بالنهاية على الجميع ويصبح شخصية قيادية واعتبارية وكأن هذا الأعمال تشير للقائد المنقذ.
٤-الدراما السورية والثورة :
بعد انطلاق الإحتجاجات الشعبية المنادية بالحرية وارتفاع سقف المطالب الشعبية بعد الافراط في استخدام العنف من قبل الحكومة السورية وإتهام الشعب بالمندسين والخونة والجراثيم، وترديد النظام السوري لنظرية المؤامرة الكونية، انعكست هذه النظرة على الأعمال الدرامية من مسلسلات كلاسيكية ومشهورة عند السعب السوري كبقعة ضوء وغيرها، فأصبحت معظم مواضيعها تتحدث عن جماعات مسلحة راديكالية وعن جهاد النكاح وعن تآمر المحتجين مع الخارج وتلقي الأوامر والدعم من المخابرات العللنية لمنع تحرير القدس وإضعاف المقاومة خدمة للكيان الصهيوني…
وكانت أبرز ملامح الدراما بعد 2011هي إشغال المتابع بالمؤامرة تارة وبالمشاهد الإباحية والخيانة الزوجية تارة أخرى، واصبحت معظم مواضيع المسلسلات تتحدث عن الانحلال الاخلاقي والدعارة والدسائس والجريمة وتجارة المخدرات وتشويه صورة الحياة الجامعية على انها علاقات جنسية بين الطلاب والطالبات وحصول الكادر الأكاديمي على خدمات جنسية من قبل الطالبات كمقابل للنجاح.
هذه الأعمال الدرامية كانت اقرب لرواية المخابرات السورية والإعلام الرسمي السوري في دمشق من خلال عدة نقاط يركز عليها إعلام النظام الحاكم :
أولها : داعش اتت لسوريا بدعم خليجي اميركي اسرائيلي وهي الوجه الحقيقي لما يسمى الثورة، وهي ثورة سلب وسبي وذبح وقتل على الهوية.
ثانياً: الشعب السوري في الواقع لا يطالب بالحرية بل يريد أن يحافظ على الأمان ولقمة العيش وإن مطالب وشعارات المحتجين تحمل أجندات لخدمة دول إمبيريالية واستعمارية بمساعدة الوهابية العالمية.
ثالثاً : اظهار رجال الدين المسلمين في سوريا بمظهر المتزمتتين والمحبين للنساء، وهم أشخاص مهزوزين منبوذين يسخرون الدين لمصالحم والانتقام من المجتمع والمثقفين.
رابعاً : اظهار الأسر المسلمة في المناطق الثائرة على أنها متخلفة ومفككة وضعيفة الإنتماء للوطن وأبنائها عرضة للإنخراط في العصابات والجماعات التخريبية المعادية للوطن، والنساء في هذه الأسر ملتزمة بالحجاب والذي هو عائق لاندماجها وعملها ومحرومة من التعليم وهي جاهلة وخائفة ومعنفة من المجتمع الذكوري المتمثل بالزوج او الأب او الاخ المتسلطين وهي تلجأ دوماً لشخص متحرر ومتنور ومتحلل من عاداتها أو تلجأ لأنثى لاترتدي الحجاب وتكون قوية الشخصية ومتحررة ومثقفة وقادرة على فعل الكثير لأجلها.
هذه الأسر فقيرة ويسود علاقاتها العنف ورجالها مدمنين وأيضاً فقيرة ويساعدها أشخاص متحضرين متحللين من الأفكار الرجعية.
خامساً: المسلسلات الشامية تعمق فكرة المجتمع المنغلق والمتعصب والعنيف، والقيم فيها بالية ومتخلفة، كما تعزز هذه الاعمال النظرة المتدنية للمرأة والتي تعتبر عورة، وأن الصراع المناطقي بين الحارات موجود منذ القدم والولاء فيها للقائد (العكيد).
5-الدراما السورية كوسيلة تشويه للثورة السورية امام الشعوب العربية:
لابد أن النظام السوري استعمل الدراما كامتداد لحربه على الشعب السوري، وبسبب تفاقم جرائمه ومجازره بحق حاضنة الثورة، أظهرت الشعوب العربية تعاطفاً مع الشعب الثائر وكرهاً لإجرام النظام.
فاعتمد دس الأفكار والمشاهد التي تظهر الثائرين كعملاء ومخربين ويمارسون السبي وجهاد النكاح وينفذون أجندات الصهاينة، ونجح في مهمته في تمرير هذه الرسائل الملغومة الى العقل الباطن للمشاهد العربي في ظل غياب إعلام مضاد ودراما تنافس أو تدحض افترائه وتضليله الإعلامي.
فأصبح عوام العرب يرددون رواية النظام السوري ويتهمون السوريين الثائرين بالعمالة والتخريب والتطرف.
٦-الدراما السورية الرمضانية وتغيير الهوية السورية:
في رمضان كثيراً ما تظهر الدراما السورية بمظهر البعيد عن الأجواء الروحانية والدينية، بل على النقيض فهي تركز على إثارة الغرائز والشهوات والشذوذ الأخلاقي والجنسي، وذلك بتضمين مشاهد أقرب للإباحية وكأنها تتجاهل خصوصية الأسرة السورية، كما تتعمد الأعمال الدرامية في الآونة الأخيرة التركيز على إظهار المارقين والمجرمين كأبطال وقدوة وزج الكلمات الجنسية والنابية في الحوارات والمشاهد وتمرير قصص الخيانة ضمن العائلة الواحدة والمجتمع كأنها أمر شائع وثانوي وموجود في كل بيت وحارة.
في حين أن هذه الأعمال تبتعد كل البعد عن واقع التعليم المتردي والحياة المعيشية الصعبة أو الحديث عن المهجرين ومأساتهم أو الاطفال المشردين ممن فقدوا ذويهم بسبب القصف والاعتقال.
7-الدراما السورية كنهج لفكر الديكتاتور:
الأعمال الأخيرة مررت الكثير من الرسائل عن هوية سورية الأسد المنتصرة من لهجة البيئة الساحلية، والترويج لهذه المسلسلات وإغداق الأموال الطائلة لإنتاجها لإظهار أن الفوضى والمواويل والعنف ومظهر الشارب الطويل والسلاح والسباب والشتائم هي بيئة رجال السلطة في سوريا والأمر متاح للرجال الوطنيين فقط.
وكما تمرر هذه الأعمال رسالة في اللاوعي أن السوري بشكل دائم مظلوم ومقاوم للمحتل وللمستعمر وهو فقير ومتعثر ولكنه وطني وسعيد لأنه بطل وصامد.
هذه الأعمال أصبحت تركز على عبارات يراد منها أن يتقبلها الجميع ويكررها كأنها أقوال مأثورة رغم عدم حكمتها، وتحاول تعزيز سلوكيات مضرة بالمجتمع كالتدخين واستعمال السلاح ونشر العنف والمخدرات وانتهاج اسلوب أن الغاية تبرر الوسيلة للوصول للهدف دون مراعاة للقيم والأخلاق.
8-الدراما السورية الثورية :
مع أنها تكاد موجودة وضعيفة ولا تحمل ثقل وانتشار وشهرة الدراما التابعة لإعلام السلطة في سوريا إلا أنها قدمت بعض الأعمال التي أزعجت النظام الذي حارب أي فنان أو شخص يعمل في الوسط الفني الغير تابع لسلطته وحيث يقوم مباشرة بتشويه سمعته وشيطنته وإبعاده عن الحياة الفنية أو اغتياله أو اعتقاله كأي سوري غير موالِ.
هذه الأعمال القليلة خرجت عن النص التقليدي للسلطة وانقلبت على مدرسة الديكتاتور، مما أعطى مؤشر لتعافي الأعمال الفنية الدرامية وخروجها عن الدور الموكل لها سلفاً من مخابرات السلطة وفكر الديكتاتور، لتلقى رواجاً ومشاهدات بالملايين لاقترابها من هموم الشعب ايصالها رسالة للعالم المتحرر أننا نحمل رسالة فن وليس رسالة الديكتاتور.
في النهاية لا يسعنا القول إلا أن الدراما السورية المرتبطة بالديكتاتور هي أشبه لأداة للتوجيه السياسي ، وهي سم بطيء يتسرب لعقول السوريين لإخضاعهم وتمرير أفكار غريبة ومريضة عن المجتمع السوري ليتم تقبلها وتصبح مألوفة ولتسهيل الانتقال بين التناقضات وتمييع القيم والرموز والمقدسات فلا كبير إلا القائد. وعليه يجب العمل لدعم الفن والأعمال الدرامية الهادفة والتي تحمل ملامح السويين وتعالج مشاكلهم وترسم مستقبلهم كأداة للتغيير وتعزيز القيم الفاضلة.