وصل إلى العاصمة السورية دمشق وزير خارجية المملكة العربية السعودية بتاريخ 18 أبريل 2023م، بعد قطيعة دبلوماسية امتدت لعقدٍ كاملٍ، في زيارة تعد استكمالاً لزيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الرياض قبل أيام، كما جرى بين الزيارتين اجتماع في مدينة جدة السعودية، قيل إنه حقق بعض الاختراق في بعض المسائل العالقة بين الرياض ودمشق.
تقود السعودية حراكاً عربياً يسعى للتطبيع مع حكومة النظام السوري وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، وكانت عدة دول خليجية قامت بذلك بالفعل، مثل دولة الإمارات والبحرين.
فما هو سر الخطوات المتسارعة من بعض الدول العربية تجاه حكومة النظام؟ وما هو مصير هذا الحراك؟
يرى الكثير من المحللين العرب والغربيين أن التسارع في التطبيع، وخاصة من السعودية بدأ بعد الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته حكومة بكين، حيث شمل الاتفاق عدة ملفات عالقة بين الرياض وطهران وعلى رأسها بالطبع الوضع في سوريا واليمن، وفي هذا الصدد صرح السيد مبارك آل عاتي لموقع “الحرة” أن “التطورات بين سوريا والسعودية كانت بدأت قبل الاتفاق وأن “تفاهمات” بين الجانبيين حصلت قبل أشهر.
وقد كان لكارثة الزلزال المدمر في سوريا الذي وقع في فبراير الماضي دور في هذا التقارب، حيث مثّلت هذه الكارثة انعطافاً في المسار السياسي والدبلوماسي لصالح المسار الإنساني، وقد صرحت وكالات أنباء سعودية أن “المملكة وقعت عقود مشاريع لصالح متضرري الزلزال في سوريا وتركيا بقيمة تقدر بحوالي 48 مليون دولار أمريكي”.
وبالمجمل، فقد وصلت عدة جهات وحكومات في المنطقة إلى استحالة حسم الصراع في سوريا بشكل عسكري، مع تشعب الأزمة الاقتصادية وانتشار الفساد في دوائر حكومة الأسد، وكذلك الفلتان الأمني وانتشار السلاح بين أيدي المليشيات المختلفة، وتعدد أطراف الصراع، وكذلك ازدهار صناعة وتصدير حبوب “الكبتاغون” في سوريا، والذي باتت تعاني منه عدة دول في المنطقة وعلى رأسها السعودية.
ويقود ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان ما يسمى “رؤية 2030” التي تسعى إلى النهوض الاقتصادي وتنوع مصادر الدخل، وأن يكون للرياض دور هام ومحوري في قضايا المنطقة والعالم المختلفة، رؤية يرى الكثيرين أنها لن تنجح بشكل كامل وسط كل التهديدات الأمنية التي تحيط بالمملكة.
وبالنظر إلى ما تقدم نجد أن التطبيع العربي مع حكومة الأسد تعترضه عدة عوائق، ومن أهمها:
1- قضية معتقلي الرأي الذين زاد عددهم بشكل متصاعد مع انطلاق الثورة السورية، وهي قضية اجتماعية تخص ألاف السوريين المعتقلين والمختفين قسراً، وتنظر الأطراف الإقليمية لهذه القضية على إنها “عربون ثقة” تؤكد على صدق نوايا حكومة دمشق نحو الحل السياسي.
2- قضية تجارة المخدرات و الكبتاغون: فالعديد من المصادر العالمية والعربية تؤكد أن تجارة الكبتاغون العالمية باتت تدار من دمشق، وقد صرحت سفارة بريطانيا في لبنان أن “تجارة المخدرات في نظام الأسد تمثل ثلاثة أضعاف قيمة تجارة شبكات المخدرات المكسيكية مجتمعة”، حيث يشكل هذا الملف تهديداً أمنياً واجتماعياً لدول المنطقة وبالأخص دول الخليج، فلم تمض سوى ساعات على مغادرة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد من الرياض، حتى أعلنت جمارك المملكة العربية السعودية عن إحباط تهريب أكثر من ثلاثة ملايين حبة مخدر، ويرتبط التقارب العربي مع حكومة دمشق بمقدرة الأخيرة على السيطرة على هذا الملف الشائك بالنسبة لدول الجوار في سوريا.
3- موقف المجتمع العربي والدولي: في حين وقفت كل من قطر والكويت والمغرب موقفاً صارماً ضد عودة نظام الأسد للحضن العربي، وتمثل هذا الموقف في تصريحات رئيس وزراء قطر والتي بينت أن “الأساس الذي تمَّ على أساسه استبعاد سوريا من الجامعة ما يزال قائماً”، كما أكد على أن عودة نظام الأسد للجامعة العربية “مجرد تكهنات”، مؤكداً أن موقف الدوحة لم يتغير وأن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسياً، كما سارعت وزارة الخارجية في دولة الكويت إلى نفي نية وزير خارجيتها زيارة دمشق.
كما تنظر عدة قوى عالمية إلى هذا التقارب بعين الريبة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية المنزعجة من تقارب الرياض مع بكين، والذي يأتي التطبيع كأحد ثماره.
4- القوى العالمية والإقليمية المنخرطة في الراع السوري: فروسيا موجودة بشكل قوي في المشهد العسكري والسياسي في الصراع السوري منذ عام 2015م، وكذلك الحرس الثوري الإيراني وفصائل طائفية متعددة الجنسيات والمرجعيات، وقد أصبح لهذه القوى القول الفصل في الشأن السوري والتأثير على صُنّاع القرار في سوريا، مع تراجع سيطرة النظام على هذه القوى، وانصياعه التام لها، والكلام عن الدور الإيراني في هذه المرحلة هو الأهم، حيث تؤكد السعودية على عودة سوريا إلى “مجالها العربي” وهو امر بالطبع لم تكن تسمح إيران بحدوثه من قبل، ولكن بعد المصالحة السعودية-الإيرانية بضمانات من حكومة الصين، قد يختلف الأمر، وبالنسبة لروسيا المنخرطة في حرب في أوكرانيا منذ اكثر من سنة، فيبدو أن الصراع في أوكرانيا بدا نجمه يخفت، وتسعى روسيا إلى مكانة في الشرق الأوسط حققتها مع تدخلها العسكري المباشر في الصراع السوري لصالح النظام.
وكذلك فالوجود التركي في الشمال السوري، يعد أحد معوقات هذا التقارب، فالقمة الرباعية التي جرت في موسكو وجمعت مسؤولين من كل من دمشق وطهران وأنقرة وموسكو، لم تصل إلى نقاط تفاهم بين الأطراف، مع اصرار نظام دمشق على انسحاب كامل للجيش التركي من الشمال السوري وخاصة من منطقة إدلب السورية، وتنظر حكومة انقرة إلى الوضع في سوريا من منظور “أمن قومي”، فالتهديدات للحدود التركية من قبل “الميليشيات الكردية الإرهابية” وملف اللاجئين، هي أمور تؤرق تركيا، والتي ترى في وجودها العسكري ضمانة لأمنها القومي.
5- ولعل ملف إعادة إعمار ما دمرته الحرب أهم أسباب هذه المعوقات، فإعادة إعمار بلد دمرته حرب طويلة تستلزم جهوداً دولية وإقليمية ضخمة، كما تتطلب أموالاً طائلة، والتنافس على أوجه في هذا الملف، فدول الغرب والاتحاد الأوروبي تؤكد على ضرورة تطبيق مسار جنيف وانتقال السلطة كخطوة تسبق المساهمة في إعادة الإعمار وهو أمر لن يقبل به نظام الأسد، الذي يرى أن أولوية إعادة الإعمار ستكون للدول “الحليفة” مثل روسيا وإيران، وعليه فالصراع على هذه الملف محتدم بين الأطراف الدولية التي تختلف وجهات نظرها لملف الإعمار، ومن هذه النقطة يسعى الجميع لأن يكون له يد في مستقبل إعمار سوريا.