منذ عام 1900 كانت سوريا مركزاً تعليمياً هاماً في الشرق الأوسط وكانت مدارس وجامعات سوريا ذات حظوة وترتيب محلي وعالمي، ومع حلول الحرب العالمية الأولى في عام 1914م وانخراط الدولة العثمانية فيها، وما تلاها من تغييرات ديموغرافية تجلت في هجرة العقول والمفكرين والمثقفين من سوريا ولبنان إلى بلدان الغرب وخاصة إلى الأمريكيتين، والاحتلال الفرنسي لسوريا عام 1920م، حتى بدأت تظهر بعض المنغصات في قطاع التعليم، لكنها لم ترقى إلى تأثير كبير على هذا القطاع، فظهرت جامعة دمشق في عام 1923م.
استمر القطاع التعليمي بالتطور في المرحلة التي تلت استقلال سوريا عن فرنسا وظهرت العديد من المدارس والجامعات الجديدة في سوريا، فكانت جامعة حلب في عام 1958م أحد أهم جامعات سوريا، ومنذ ذلك الوقت كان التعليم مجاني في مرحلة التعليم الأساسي، فالدستور في سوريا (يكفل حق التعليم لكل مواطن)، وكان بجانب تلك المدارس والجامعات العديد من المدارس الخاصة التي تخرج منها أبرز رجال العلم والثقافة في سوريا كالمدرسة الآسية وغيرها.
ومع وصول حزب البعث إلى سدة الحكم في سوريا وتراجع دور الإقطاع بدأت الحكومة السورية ببناء المعاهد والجامعات والمدارس، وفق رؤيتها، وقد ظهرت بجانب ذلك رياض الطفال فيما يسمى (التعليم قبل المدرسي)، وتم تقسيم مراحل الدراسة إلى تعليم أساسي يشمل حلقتين: الأولى وتمتد من الصف الأول وحتى الصف السادس، وثانية من الصف السابع حتى التاسع، وهذه المرحلة هي إلزامية ومجانية، وتعليم ثانوي من الصف العاشر حتى الصف الثالث الثانوي أو كما يسمى في اللهجة السورية الدارجة “بكالوريا” ، وهذه المرحلة مجانيو وغير إلزامية، وتخضع جميع هذه المراحل للدولة السورية ممثلة بوزارة التربية السورية.
والمرحلة الجامعية وهي غير إلزامية وذات رسوم رمزية، وتتبع لوزارة التعليم العالي.
ومع وصول رئيس النظام بشار الأسد إلى حكم سوريا عام 2000م، وتعهده ببرنامج إصلاحي ضمن ما يسمى بـ(التطوير والتحديث)، شهد القطاع الخاص في التربية والتعليم قفزة نوعية، تجلت في وجود العديد من المدارس والمعاهد الخاصة التي يدرس فيها الطلاب مقابل مبالغ مالية، وتمَّ إنشاء جامعات ومعاهد جديدة في مختلف محافظات سوريا، وظهر التعليم الخاص في المرحلة الجامعية عبر ما يسمى بالتعليم الموازي والتعليم المفتوح والافتراضي، وكذلك بعض الجامعات الخاصة كجامعة المأمون والقلمون وغيرها، وكانت تلك الجامعات تدرس مناهج محددة ومعتمدة من قبل وزارة التعليم الخاص مقابل مبالغ مالية مرتفعة نسبياً.
ولا يخفى على أحد أن ثورة مارس 2011م بدأت من المدارس، فأطفال وطلاب درعا الذين كتبوا عبارات مناهضة لسلطة الأسد على جدران المدارس و شهدت العديد من الجامعات حراكاً ثورياً سلمياً في المجمل، ما كان من نظام الأسد بعد اعتماده بشكل كامل على الحل العسكري والخيار الأمني إلا أن يقابل هذا الحراك بالعنف المفرط بدأ باعتقال طلاب المدارس والجامعات والكوادر التعليمية، ووصل إلى قصف المدارس و المنشآت التعليمية بالصواريخ والبراميل، وهو ما جعل قطاع التعليم يترنح في سوريا، لاسيما مع موجات النزوح الهجرة التي شهدتها سوريا لأصحاب الكفاءات العلمية وكوادرها. وبدأت كرة الثلج تكبر والمشكلة تزداد فوصل تسرب الطلاب من مرحلة التعليم الأساسي وفق إحصائية رسمية لوزارة التعليم السورية إلى نسبة قياسية وصلت إلى 22% من مجمل الطلاب، وكذلك الأمر في مناطق الشمال حيث تسرب عشرات ألاف الطلاب، بسبب الوضع الأمني والاقتصادي المزريّ، ومع شح الدعم الدولي لهذا القطاع ظهرت العديد من المبادرات المحلية من متطوعين ومنظمات ومؤسسات محلية للسيطرة على ظاهرة التسرب، مثل التعليم المهني ومدارس الخيام المنتشرة في شمال سوريا.
كما كان لتعدد جهات الوصاية والسيطرة على أرض سوريا سبباً في هذه الأزمة، فمدارس الشمال الشرقي في سوريا في فترة سيطرة تنظيم “داعش” اعتمدت مناهج متطرفة وموجهة لتدعيم مشروعها التوسعي، وليس الحال بأفضل منه في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، فمناهجها موجهة لدعم مشروعها الانفصالي عن الوطن الأم سوريا، وكذلك كان للوجود الإيراني والروسي في مناطق سيطرة حكومة النظام السوري بالغ التأثير على مناهج التعليم، فظهرت المدارس التي تعتمد اللغة الروسية والفارسية، أما في الشمال الشرقي ومع تواجد تركيا وقوات المعارضة السورية، فقد ظهرت العديد من الجامعات في الداخل السوري التي تتبع لجامعات تركية، وتعتمد اللغة التركية للقبول بها.
وبالمجمل تتلخص مشاكل التعليم في سوريا بعدة نقاط، من أبرزها:
1- الضرر الذي لحق بالمنشآت الدراسية والتعليمية، جراء القصف والتدمير لها، وكذلك ما خلفته كارثة الزلزال الأخير، وهي منشآت تحتاج إلى جهود واموال طائلة لإعادة تأهيلها.
2- هجرة العديد من الكوادر التعليمية خارج سوريا، واستقرارها في بلاد اللجوء والنزوح، وكذلك تغييب هذه الكوادر خلف السجون والمعتقلات.
3- غياب الدعم المالي واللوجستي عن قطاع التعليم، وهو امر تراجع الاهتمام به لصالح الملفين الصحي والإغاثي، فالعديد من المعلمين وخاصة في الشمال السوري يعملون بدون أجر مالي “متطوعين”، عدا بعض المدارس القليلة والتي تحظى بدعم بعض المنظمات في الشمال السوري.
4- الواقع الأمن والاقتصادي الذي وصلت إليه سوريا بعد أكثر من عقد على الحرب، فباتت أوصال سوريا مقطعة، وأصبح الوصول إلى المدارس والجامعات لدى بعض الطلاب أمراً صعباً، نظراً للمخاطر التي تحيق بهم، وكذلك كان للواقع الاقتصادي دور في هذا الحال الصعب، فتراجع قدرة الأهالي على شراء القرطاسية وعلى دفع المال لاستكمال تعليم أبنائهم، بسبب قلة مصادر الدخل وتراجع القوة الشرائية والتضخم المتلاحق في أسعار المواد، جعلت العديد من الأهالي يعزف عن تعليم أبنائهم وجعلهم ينخرطون في سوق العمل.
5- غياب الاعتراف بالشهادة السورية أحياناً، وتراجع تصنيف الجامعات السورية أحياناً هو سبب مباشر، ناهيك عن التقارير التي تشير إلى حالات الفساد والفضائح الأخلاقية في جامعات حكومة الأسد.
وبالمجمل، فقد كان لأحداث ٢٠١١ الأثر الكبير في العملية التعليمية، وتصاعد العنف ضد مؤسسات التعليم، وهجرة أصحاب العقول، دور هام ومحوري في تردي العملية التعليمية الذي تشهده سوريا حالياً.