إعادة الإعمار تحديات وعقبات
تقدر الخسائر التي تكبدتها سوريا منذ 2011باكثر من 442مليار دولار امريكي منها قيمة الدمار المادي فقط مايقارب 117.7مليار دولار حيث أن 82% من الأضرار الناتجة عن الصراع برزت في أكثر القطاعات كثافة في رأس المال وهي الاسكان والتعليم والنقل والأمن والتصنيع والكهرباء والصحة.
ارقام تبدو أشبه بالخيال لكن هذه هي الكلفة الحقيقية للتدمير الذي صنعه آلة الاسد الحربية وحله العسكري المضرج بدماء السوريين على مدى أكثر من اثنى عشر عاما من الحرب ،بالنسبة لإعادة الإعمار أصبح من الواضح أن مساهمة المجتمع الدولي ستكون ضعيفة ، وأن العبء الأكبر سيقع على السوريين أنفسهم، كما أن إعادة الإعمار لن تبصر النور إلا بعد الوصول إلى الانتقال السياسي فلا يمكن تخيل بدء هذه العملية وطائرات الأسد ما زالت تقصف المدن والقرى السورية.
حجم الخسائر في سوريا خلال الحرب :
وفقاً لتقرير “البنك الدولي” الصادر في تموز/يوليو 2017، بعنوان “خسائر الحرب: [التبعات الاقتصادية والاجتماعية للصراع في سوريا]”، دُمرت أكثر من 20 في المائة من المنازل في تلك البلاد (870,000 من أصل4,120,000 وحدة) أو أصيبت بأضرار بالغة، كما أن نسبة المدارس، والمستشفيات، والطرق، ومرافق إنتاج النفط والغاز المدمرة أو المتضررة هي أعلى من ذلك. ويُقدّر التقرير أن إزالة 15 مليون طن من الحطام في حلب وحمص وحدهما سوف يستغرق سنوات. ومع ذلك، فإن التدمير غير متساو في جميع أنحاء البلاد، حيث تجنّبت محافظات اللاذقية وطرطوس والسويداء أضراراً واسعة النطاق، في حين تأثرت حلب ودرعا تأثراً شديداً. ونتيجة للقتال المركّز في المناطق الحضرية، أصبحت 23 في المائة من حمص و 31 في المائة من حلب و 41 في المائة من دير الزور في حالة خراب. وحيث أن دراسة “البنك الدولي” التي استُشيرت هنا قد سبقت معركة الرقة، فإنها تُظهر مستوى من الدمار يخفف من الواقع الحالي. فقد تم محو داريا في ريف دمشق من الخريطة، كما عانت المناطق الصناعية في دمشق وحلب بشكل خاص. وفي الحالات التي لم تدمّر فيها المواد، فقد سُرقت وأعيد بيعها في الخارج.
إن مسألة إعادة الإعمار هي أوضح دليل على الفوضى الحاصلة في الوضع السوري الراهن فهي نقطة خلاف بين القوى المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية ،إلا أنها في الوقت نفسه نقطة التقاء لصراعاتهم وعلى الرغم من استمرار الصراع في سوريا بلا هوادة ،فقد كان هناك بالفعل تحول في التركيز على إعادة الإعمار وقد رفض العديد من الفاعلين الدوليين المساهمة في إعادة الإعمار قبل الوصول إلى انتقال سياسي للسلطة حيث أن المشاركة في إعادة الإعمار تدعم السردية التي تقول إن الصراع قد انتهى .
تحديات إعادة الإعمار
مسألة المهجرين واللاجئين:
أحد أكبر وأهم التحديات في إعادة الإعمار هو العدد الضخم للمهجرين واللاجئين السوريين المبعدين عن مدنهم الأصلية المهدمة بفعل الحرب والراغبين بالعودة لمدنهم بعد انتهاء الحرب، هذا العدد الكبير يشكل تحديا بالتخطيط، وأيضا الخراب الكبير في المدن والبنية التحتية يشكل تحديا لسبل الوصول لاستقرار هؤلاء العائدين في مدنهم وبلداتهم الأصلية، وأيضاً الفرصة هي بنفس هذا العامل فالمهاجرون واللاجئون هم قوة بشرية هائلة يمكن توظيفها في فترة إعمار المدن؛ لتقليل كلفة الإعمار، وإشراك هذه الشريحة في عمليات البناء سيساهم في بناء السلم الأهلي بالوصول بالجميع خلال الحرب نحو أهداف مشتركة في مرحلة البناء، والتحدي الرئيسي فيما يتعلق بإعادة الإعمار بعد الحرب هو في إعادة الاستقرار والأمل.
إن العدد الكبير من المهجرين الذين تركوا بيوتهم وأحياءهم حيث نتحدث اليوم عن أكثر من 8 ملايين لاجئ و 10 ملايين نازح داخليا، وبالتالي فإن ثلثي سكان سوريا تقريبا هم من المهجرين عن بيوتهم الأصلية، وعودة هؤلاء جميعا لبيوتهم وأحيائهم ومدنهم الأصلية، سيكون أمرا يمكن وصفه بالمعجزة ويحتاج إلى ضمانات دولية وانتقال سياسي حقيقي للسلطة فأي شخص مهجر لن يقبل العودة بدون وجود بيئة آمنة خالية من الافرع الأمنية القمعية وخالية من الاعتقالات التعسفية وبعيدة عن الانتقام والأحقاد العنصرية والطائفية .
مصادر التمويل:
التحدي الثاني هو بتأمين التمويل اللازم لمشاريع إعادة الإعمار ، والذي يعتمد بشكل أساسي على دعم الدول المانحة مع العلم أن الوضع الاقتصادي الدولي حاليا ليس بأفضل حالاته بسبب انخفاض أسعار النفط وبطء نمو الاقتصاد العالمي والحرب الأوكرانية وافلاس البنوك الأمريكية وتبعاته على الاقتصاد العالمي هذا الأمر يعطينا مؤشراً أولياً أنّ الأموال التي ستمنح لإعادة إعمار سوريا ستكون هزيلة للغاية، وقد لا تغطي التكاليف الأساسية.
الميليشيات المسلحة :
التحدي الآخر والمتعلق بالاستقرار السياسي والعسكري والذي يعيق تأمين المناخ الملائم لإعادة الإعمار هو انتشار الميليشيات المسلحة لدى النظام،حيث أعطى النظام الضوء الأخضر للميليشيات العراقية والإيرانية واللبنانية للعمل على الأراضي السورية، وأيضا من طرف المعارضة من جهة تعدد الفصائل وتفرقها. وبالتالي فإن جلب الاستقرار وإعادة الأمان تبدو مسألة معقّدة وتحتاج إلى تظافر الجهود الدولية والإقليمية لإخراج الميليشيات المسلحة الأجنبية من سوريا.
النسيج الاجتماعي :
أمر بالغ الأهمية بالنسبة لإعادة الإعمار ليس المهم هو الدمار العمراني فقط لسوريا بل الأهم هو دمار النسيج الاجتماعي ، والذي تفاقم بسنوات الحرب باستمراره وعدم معالجته سيمنع عودة الاستقرار ، وأيضا سيمنع عودة الوحدة السياسية بين الأطراف المجتمعية ومن أجل الاتفاق على سوريا المستقبل .
لقد عمل النظام خلال سنوات الحرب على ضرب النسيج الاجتماعي للمجتمع السوري وزرع بذور التفرقة العنصرية والمناطقية والطائفية، والحل لإعادة الإعمار والمضي بالحل السياسي هو البدء بحل سياسي شامل لكل أطياف المجتمع ولايقصي أحداً من المشاركة ،والعمل على صياغة دستور يضمن حقوق الجميع ويكون ملائم لتعقيدات الحالة السورية ومنسجم مع كل مكونات واطياف الشعب السوري فكيف ستستطيع البدء بإعادة الإعمار قبل العمل على مصالحة حقيقية وليست كالمصالحة التي يروج لها النظام بل مصالحة على أساس الند للند وعودة الحقوق إلى أهلها .
إنّ التحدي الأكبر أمام إعادة الإعمار هو إعادة اللحمة للنسيج الاجتماعي السوري ، فنظام الأسد خلال سنوات الحرب عمل بشكل رئيسي على تفريق وتفتيت السوريين والتحريض طائفيا بين الطوائف المختلفة ليستفيد من ذلك تحت مبدأ فرّق تسد، وحاول تكريس فكرة أنّ بقاءه في الحكم هو الضمان الوحيد لوحدة سوريا الأمر الذي لم يعد صالحاً للتصدير أبداً بعد اليوم، فقد عمل النظام على تدمير النسيج الاجتماعي السوري من خلال طرق ممنهجة وممارسات طويلة الأمد طبقها على هذا الشعب .
توصيات:
أولاً:
لذلك وجب على النظام السياسي الجديد خلق سياسات موازية ترافق إعادة الإعمار من أجل التخلص من السياسات الطائفية السابقة بهدف إعادة اللحمة الوطنية للمجتمع السوري ونزع فتيل اي انفجار قد يحدث مستقبلاً بفعل تراكمات حالة التهميش والاقصاء السياسي والاجتماعي التي طبقها النظام.
ثانياً:
إنّ حجم الجرائم التي حصلت في سوريا تحتم القول إنّه لا يمكن تحقيق السلام من دون العدالة لذلك فإنّ منظومة العدالة الانتقالية هي أداة رئيسية ولا غنى عنها لشق الطريق نحو المصالحة. ونقول ببساطة إنّ سد باب العدالة الانتقالية في المجتمع سيفتح الباب المقابل له وهو سياسة الانتقام الفردي بل والانتقامات الجماعية والتي أضحت أحد سمات الحرب في سوريا اليوم بسبب غياب آليات وتطبيق العدالة بين السوريين.
ومن المعروف أن عملية الانتقال السياسي تهدد نظام الأسد المبني على سلطة الفرد الواحد والحزب الواحد وعمليا” هذا الموضوع يجعل الأسد لا يقوم بأي خطوة لإزالة سلطته المركزية المهيمنة على مقاليد الحكم في سوريا، وبالتالي فإنّ العمل بمبدأ العدالة الانتقالية خلال الفترة الانتقالية من خلال عملية محاسبة رؤوس النظام الملطخة أيديهم بالدماء، وأيضا عملية بناء وتقوية مؤسسات الدولة المختلفة وكذلك القيام بالتعويضات الضرورية كل ذلك ضروري من أجل تحقيق السلام المستدام.
القيم الجمعية لدى المجتمع السوري:
إنّ من أهم هذه القيم الجمعية هي إيمان السوريين بوحدتهم وإنّ ما حدث بينهم في هذه الحرب كان بسبب سياسات مدبرة من نظام الأسد. فإنْ استطاع جميع السوريين من وضع هذه السياسات المفرقة خلفهم والانطلاق لما سيجمعهم لبناء سوريا معا من جديد فسيكون أمرا ممتازاً.
أنا اعتقد أنّ القيم الجمعية المشتركة بين السوريين جميعها كثيرة بل وكثيرة جداً. ولعل من أهم هذه القيم المتعلقة بإعادة الإعمار هو امتلاك السوريين لقيمة حب العمل مما سيجعلنا نعتقد أنّ مشاريع إعادة الإعمار ستتم بسواعد السوريين وخلال فترة قصيرة نسبياً.
دور النخب في إعادة الإعمار:
أما عن الوسائل لبناء القيم الجمعية فيأتي بمقدمتها النخب والتي تقع عليها مسؤوليات سياسية واجتماعية كبيرة جداً خلال الفترة القادمة حيث مطلوب منها تنحية الخلافات الإيدولوجية والسياسية و الطبقية ومن ثم اعتماد المصلحة الوطنية العليا كمشترك وبوصلة لهذه النخب مجتمعة والتي بدورها ستحدد الاتجاه الذي ستسلكه سوريا المستقبل.
عندما نتحدث عن النخب فهم ليسوا القادة السياسيين بل هم أيضا القادة الدينيين والإعلاميين البارزين، والقاعدة هنا أنّ كل من له تأثير بالرأي العام بشكل أو بآخر مهما قل هذا التأثير ومهما اتسع، كلهم مؤثرون بالوعي الجمعي والذي بدوره سيحدد شكل وتوجه سوريا المستقبل.
إنّ عملية بناء الوعي الجمعي للمجتمعات هي عملية تراكمية ومستمرة ولا تحصل بين ليلة وضحاها ولكن بالحالة السورية سيكون من الصعب جداً بل نوع من الترف التركيز على عملية بناء الوعي الجمعي في ظل الصراع العسكري وعدم الاستقرار السياسي. لذلك الأمر الأهم الآن لبدء عملية الوعي الجمعي هو وقف الحرب والبدء بعملية التسوية السياسية مما سيتيح لجميع السوريين صنع التاريخ الجديد لسوريا.
وعندما نتحدث عن السوريين فإننا نتحدث عن جميع المواطنين السوريين دون استثناء وذلك يتضمن حتى من ارتكبوا جرائم من أي طرف وذلك بمثولهم أمام العدالة لطي صفحة الإفلات من العقاب وثقافة اللامسائلة لعصر جديد قائم على سيادة القانون على الجميع والمحاسبة والمسائلة .
الفرص :
فإنه وبسبب حجم الأزمة فإن الفرص تبدو شبه منعدمة. ولكن من هذه الفرص، فرصة إعادة تنظيم البناء العمراني في سوريا بشكل أفضل وأحدث مثل التخلص من الأحياء العشوائية.
أيضاً فإنّ مشاريع إعادة الإعمار ستشكل فرص عمل كبيرة للسوريين في الداخل والخارج.
مسارات الحل:
على المدى القصير ينبغي التفكير في الماء والكهرباء والتربية والصحة وهي أمور أساسية وحيوية للغاية وايضا” يجب التفكير في الحكم الرشيد .
ذهبت صفوف من المعارضة السورية إلى أن المؤسسات الدولية لإعادة الإعمار تضع ارقام مبالغ فيها وأن تقديرات النظام موغلة في التقدير.
وهذه المعارضة تتهم النظام السوري بكونه يريد إعادة إعمار مناطق لم تتأثر اصلا بعوامل التدمير ولانيه له بإعادة إعمار كامل التراب السوري.
نظرة النظام إلى سوريا القادمة هي نظرة إلى السوريين الذين بقوا في مناطقه وهو غير مهتم بإعادة إعمار ما تدمر من المدن السورية مثل حلب ودرعا ودير الزور والرقة ودمشق والغوطة .
النظام لا يعتبر نفسه معني بإعادة إعمار هذه المناطق فهو يعتبر هذه المناطق غنيمة حرب، في المقابل حماسة دمشق لإعادة الإعمار رفقه اصدقائها ورفض المعارضة لها بسبب أن هذه الخطوة غير واقعية فبناء السلام اهم من بناء الحجر.
التوافق الدولي على إنهاء الحرب هدفه إعادة اللاجئين وليس تحقيق نصر لبشار وهدفه طرد إيران من سوريا ومنع الإرهاب .
بعيدا” عن الأرض السورية في واشنطن يسوق البنك الدولي للرقم 180مليار دولار كتكلفة إعادة الإعمار وأنشئ لهذا الغرض قاعدة بيانات لحساب الآثار الاقتصادية الناجمة عن الصراع في مختلف المحافظات السورية ،ولرصد حجم الضرر الواقع على البنية التحتية والمؤسسة الدولية تقدر حجم الضرر 67.30مليار دولار وخسائر الناتج القومي تتجاوز 216 مليار دولار.
ماخسرته سوريا ليس فقط 100مليار دولار من الأصول المادية والا 1 تريليون دولار من التنمية البشرية ،بل خسرت فرصة الانضمام إلى الدول ذات الدخل المتوسط الاعلى .
بعد أن باتت سوريا مدمرة عمرانيين يسيل لعاب النظام للبدء بمرحلة إعادة الإعمار ولكن الخلاف هو على الحل السياسي الذي يسبق هذه العملية.
روسيا وإيران تريدان أخذ اكبر قدر من المنفعة المالية والسياسية من عملية إعادة الإعمار التي ليس بإمكانهم تمويلها ولكن يطمحان لإدارتها معولين على تمويل اوربي وعربي وأمريكي .
ويشترط هائولاء تقديم المساعدة بإيجاد حل سياسي يؤدي إلى استبدال النظام الحالي بنظام ديمقراطي يضمن حقوق السوريين جميعا” ويضمن حل ملف المهجرين وإعادتهم وإخراج المعتقلين تعسفيا”، وماقانون قيصر المطبق على النظام السوري الا لتجسيد هذا الضغط .
ايجاد التمويل لإعادة الإعمار ليس المشكلة على مايبدو فقد أبدت عدة جهات دولية منها الاتحاد الأوربي ودول عربية استعدادها للمساهمة في هذا المشروع لكن بشرط ايجاد حل سياسي وتطبيق القرارات الدولية بشأن سوريا.
التهافت على إعادة الإعمار
لقد أثار احتمال عقد صفقات مربحة لإعادة الإعمار شهية الحكومات والشركات الساعية إلى تحقيق الأرباح والمطامع من دمار سوريا، أما المستفيد الأكبر من التهافت على إعادة الإعمار في سوريا فهي روسيا وإيران الذين تحملوا فاتورة كبيرة بسبب الحرب السورية وينتظرون الفرصة لحصد الجوائز.
رغم أن النظام يعمل على تقديم صورة مدروسة بعناية عن سوريا وإظهارها بمظهر الدولة المستقرة السائرة على طريق التعافي والسلام إلا أن الوضع بعيد كل البعد عن هذه الصورة ، فقد يكون اندفاع النظام لإعادة الإعمار فاتحة قوية لتجدد العنف .
إن ما نعرفه عن الظروف التي تشجع على تكرار اندلاع العنف بعد الحروب الأهلية يثير إشارات تحذيرية مشؤومة حول ما يجري في الوضع السوري.
وتشير معطيات حديثة إلى أنه منذ بداية القرن اندلع 90% من الحروب في بلاد شهدت سابقا” عنفا” جماعيا” وفي دراسة مهمة عن انهيار السلم بعد الحروب الأهلية حدد تشارلز كون الإقصاء السياسي بأنه أحد أهم العوامل التي تسهم في تكرار العنف الجماعي.
يطرح كول السؤال التالي في أعقاب الحروب الدموية كيف لكل الجهات الفاعلة الخارجية أن تساعد في تكوين مجتمع قادر على حل صراعاته دون اللجوء إلى العنف الجماعي؟
تكمن الإجابة على هذا السؤال في المبادىء والأولويات التي تؤدي إلى التعافي المبكر وإعادة الإعمار في فترات ما بعد الصراع ليس مستغربا” أن تكون الاحتمالات أقل لتكرار العنف في الدول التي طبقت هذه المبادىء التي وضعت لتخفيف المظالم والاخفاقات الحكومية التي سببت العنف الجماعي ، أما في الدول التي تفاقمت فيها المظالم والاخفاقات ما قبل الحرب فإن احتمال تكرار العنف تكون أكبر .
في ضوء الطريقة التي ينوي النظام بواسطتها متابعة إعادة الإعمار ترى كيف سيكون رد فعل الغرب الجهات الفاعلة الخارجية الاخرى؟ وماهي الطريقة التي يجب اتباعها في إعادة الإعمار بحيث تمنع حدوث موجة جديدة من العنف في المستقبل ؟
للتخفيف من حدة الظروف التي أدت إلى الحرب في سوريا والتخفيف من احتمالية تكرار الصراع يجب أن تسترشد أنشطة إعادة الإعمار ببعض القواعد البسيطة .
وهذه القواعد الأربعة الأكثر أهمية هي :
*تخطي الأسد : كل دولار من أموال إعادة الإعمار يصل إلى النظام هو عرضه للسرقة والفساد وسوف يقوي المقربين منه ويعزز شرعيته ويسهم في ترسيخ رؤيته بسوريا أكثر تجانسا والحل إيجاد قنوات من خارج الحدود لتمويل عملية إعادة إعمار شفافة ومسؤولة خارج نطاق سيطرة النظام.
*التوجه إلى المحلية: من خلال توجيه عملية إعادة الإعمار من الاسفل إلى الأعلى على شكل يعزز استقلالية الجهات الفاعلة المحلية ومصداقيتها وقياس احتياجات الداخل السوري.
* الاكتفاء بالقليل : رغم الحاجة الماسة لإعادة الإعمار إلا أن التمويل الواسع سوف يشجع على الفساد والهدر وعدم الكفاءة.
* التروي: هناك حاجة ملحة حقيقية لعملية إعادة إعمار سوريا بيد أن التحرك السريع أدى مرارا إلى تقديم مشاريع ضعيفة التصميم سيئة التخطيط والتنفيذ
ختاماً:
مقاربة نظام الأسد في إعادة الإعمار تؤكد لنا أنها سوف تزيد من حدة العوامل التي دفعت بملايين السوريين الى الشوارع في 2011 ،والتي أدت فيما بعد إلى الحراك المسلح .
من غير المحتمل أن تثمر اي عملية إعادة إعمار بعد انتهاء الصراع اذا كانت لاتعالج المشاكل الدقيقة والمتعلقة بشرعية المؤسسات وقدرتها على توفير الأمن والعدالة والدمج السياسي للمواطنين.
على كل حال لا تعتبر النظام إعادة الإعمار وسيلة للتعافي الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي بل هي فرصة للإثراء الذاتي وطريقة لمكافئة الموالين ومعاقبة المعارضين .كما يعتبرها أساسية لجهوده من أجل تكريس التحولات الديمغرافية التي ظهرت نتيجة عدة سنوات من الصراع المسلح وقد أكدت بشارهذه النية في خطاب ألقاه بمناسبة افتتاح معرض دمشق الدولي فبعد أن شكر روسيا وإيران وحزب الله قال إن سوريا فقدت افضل شبابها وبنيتها التحتية لكنها كسبت (مجتمعاً صحياً متجانساً)
وقد وصف المحلل السياسي عزمي بشارة قول الأسد بالهتلري واعتبره تأكيداً على نية الإبادة الجماعية التي تؤكد سياسات التهجير التي يتبعها النظام.