لكن ظهر جليا الخلط الواضح بين ما يهدف إليه مصطلح التعافي المبكر ومصطلح إعادة الإعمار، وعلاقتهما بالعملية السياسية. وقد تخوف عدد من السوريين والسوريات ممن هم على اطلاع أن يكون الهدف من إنشاء الصندوق الالتفاف على العملية السياسية المستعصية، والتوجه نحو إعادة الإعمار، التي تشترط البدء بالحل السياسي في سوريا بناء على القرارات الدولية.
يعتبر الخبراء أن الهدف من التعافي المبكر هو تعزيز قدرة المجتمعات المحلية على التكيف، وإصلاح الحوكمة والعلاقات بين المجتمع والمنظمات والسلطات المحلية.
أما هدف إعادة الإعمار فهو بناء الدولة “المؤسسات” وبناء السلام.
أمام هذه التحديات، يسعى فريق برنامج واثقون في منظمة مارس أن يقدم إحاطة تلخص بعض المواقف الموجودة في الساحة السياسية تجاه الصندوق.
في آذار 2024، كشف منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، في مقابلة خاصة مع صحيفة الوطن السورية، أن المنظمة الأممية ستطلق قبل حلول الصيف المقبل برنامجاً للتعافي المبكر في سوريا يمتد لـ 5 سنوات ويتضمن إقامة مشاريع في عدد من القطاعات بينها الكهرباء.
وأكد أن تمويل مشاريع هذا البرنامج ستتم من خلال إنشاء صندوق خاص يوفر لبعض “المانحين غير التقليديين” كدول الخليج، آلية آمنة وشرعية تحت مظلة دولية بأن تقدم مساعدات للشعب السوري، لا تستطيع أن تقدمها الآن، بسبب الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب التي تفرضها أميركا ودول غربية على الحكومة السورية.
ورأى أن الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب التي فرضتها دول بناء على اعتبارات خاصة لها تأُثير مباشر على العمل الإنساني، وقد تكون صادرة عن دوافع سياسية أو خلافات. “انتهى الاقتباس”
حسب المادة المنشورة أعلاه، فإن آدم عبد المولى يعول بشكل أساسي في دعم “الصندوق الأممي” على أموال خليجية، سعودية وإماراتية بالمقام الأول، لضمان عدم التعرض لعقوبات دولية.
ولأن التعافي المبكر هو ضرورة في الحالة السورية، فيجب ضمان حيادية الصندوق إن أصبح أمرا واقعا، والتأكيد على تكافؤ الفرص في توزيع البرامج والمشاريع على الجغرافيا السورية، وبحسب احتياج ومتطلبات التعافي المبكر لكل منطقة جغرافية، بما ينسجم مع فلسفة التعافي المبكر.
بناء عليه، يمكن تحقيق ذلك إذا أخذنا بالاعتبار عدة عوامل أساسية. لكن قبل ذكر تلك الاعتبارات أو الشروط دعونا نستعرض أولا عدة مقاربات لجهات سورية متعددة:
المقاربة I
تجمع منظمات سورية عاملة في قطاعات التعليم والصحة ورفع القدرات
يعتبر عدد من أعضاء هذا التجمع أنه يجب حشد الجهود لضرورة تأطير الصندوق ضمن محددات تضمن تنوع التمثيل وتمنع المركزية في أحد البلدان التي يسهل الضغط عليها من قبل النظام.
وبعد اطلاعهم على استراتيجية التعافي المبكر لسوريا التي تعمل عليها المجموعة الاستراتيجية لسوريا SSG فإنهم في طور إعداد ورقة موقف تستند إلى النقاط التالية:
- لم تذكر المسودة أي توضيح فيما يخص مناطق شمال شرق سوريا، ولا يوجد ضمنها آلية لكيفية تغطية كل المناطق بالمشاريع والدعم.
- لا تضمن المسودة مفهوم الملكية الوطنية.
- لا تضمن المسودة المبدأ الأساسي في العمل الإنساني الذي ينص على عدم إلحاق الضرر أثناء التنفيذ.
- غياب المساءلة أمام المجتمعات المحلية.
- غياب رؤية واضحة لقطاعات رئيسية مثل التعليم والصحة، مما قد يزيد من حالة التشرذم وانتشار الإيديولوجيا داخل المجتمع السوري.
- بالتالي نحن أمام ثلاثة احتمالات ممكنة:
- القبول بالشكل الحالي للاستراتيجية، وهذا يعني تعزيز سلطة نظام الأسد ومؤسساته الفاسدة، والتضحية بشفافية الصندوق، وعدم التوزيع العادل للموارد على مكونات الشعب السوري، وتسييس الصندوق.
- دعم السلطات الحالية، وهذا يعني الاعتراف بسلطات الأمر الواقع وتعزيز سوريا المقسمة حسب خرائط السيطرة الحالية.
- العمل من خلال نظرية التعافي المبكر لإيجاد آليات تقارب في طرق الحوكمة والإدارة بين مناطق السيطرة في سوريا، من خلال أدوات تُشارك فيها المجتمعات المحلية، وتبنّي أسس لمراحل التعافي وإعادة البناء المستقبلية.
كما تم اعتبار القطاعات الأساسية للبدء بالتعافي: التعليم – الصحة – الزراعة، والتأكيد على أن التعافي المبكر ليس بديلا عن الحل السياسي. كما
يجب ضمان العدالة والمساواة لكافة المناطق السورية بحيث لا يتم خلق استراتيجيات عمل منفصلة في كل منطقة تخضع لسلطة مختلفة.
كما نشير هنا أن عددا من المنظمات السورية قد أطلقوا مبادرة للتوقيع، أعربوا فيها رسمياً عن اعتراضهم على المسودات المتداولة داخل مجموعة التوجيه الاستراتيجي لسوريا SSG. الاعتراض يشمل الآلية التي تتم وفقها صياغة هذه الوثائق من حيث مقاربة التعافي المبكر المتضمنة فيها، وكذلك الحوكمة المقترحة لأنشطة التعافي المبكر المتزايدة، وخاصة الحوكمة المتعلقة بصندوق الائتمان المقترح والمخصص للتعافي المبكر. “مرفق رابط المبادرة”
مقاربة II
رؤية مستقلين
يعتبر عدد من السوريين والسوريات ممن هم على اطلاع، أن المشكلة الأساسية هي محاولة تسيس مصطلح التعافي، إلى جانب صعوبة إيجاد رؤية لكل سوريا ضمن هذه الاستراتيجية. كما أن احتمال نجاح الاستراتيجية مرتبط بشكل وثيق بالوضع السياسي. أضف أن آلية عمل الصندوق بالشكل المطروح ستعمل على إضعاف هيئات العمل الوطنية (مديريات، مجالس محلية) أكثر مما هي ضعيفة الآن، لذا يجب توفر شروط معينة أهمها:
- التعافي المبكر هو “مقاربة متعددة الأبعاد تقوم بتدخلات مدمجة” وهذا يعني أن التدخلات في الصحة والتعليم والمياه، يجب أن تكون مدمجة مع الحوكمة والتماسك المجتمعي وسيادة القانون. وهذا يغيب عن الاستراتيجية الحالية، بسبب أن الاستراتيجية تحاول التعامل مع جزء من آثار النزاع المتمثل في دمار البنية التحتية، بينما الضرر الأكبر الذي أحدثه النزاع هو الضرر على المجتمع وتماسكه، وعلى المؤسسات والحوكمة، التي أصبحت متشرذمة ومفككة حسب مناطق السيطرة.
- أن يتم العمل على دعم النظام التعليمي بشكل لا يعمق الشروخ الموجودة.
- ضرورة العمل للتأثير على المانحين لضمان حيادية الصندوق.
- ضرورة التواصل مع كافة الأطراف قبل اعتماد الاستراتيجية. فمن غير الممكن وضع استراتيجية لكل سوريا واعتمادها خلال شهرين فقط.
كما يُعتقد أنه في حال إقرار الصندوق فإن منظمات شمال غرب سوريا سيتم إدارتها عن طريق عنتاب في تركيا، أما شمال شرق سوريا سيكون عبر منظمات دولية بشكل يضمن خصوصية هذه المنطقة.
مقاربة III
منظمات سوريّة في مجموعة SSG
تداولت الأوساط أن منظمات سورية في SSG مارسوا ضغوطا بهدف منع احتكار إدارة الصندوق من قبل المنسق الأممي بدمشق، لتصبح عبارة عن إدارة مشتركة بين المنسق الأممي في دمشق والمنسق الأممي في الأردن. كما اعتبروا أن هناك مآخذ أساسية على الاستراتيجية:
- إدارة وقرار الصندوق ينحصران بالمنسق الإنساني/المنسق المقيم في دمشق، ولا يوجد أي دور لأعضاء البورد. حيث تم رفض كل المطالبات بهذا الشأن بحجة أن صندوق التعافي المبكر يدخل تحت صلاحيات المنسق الإنساني/المنسق المقيم رغم التخوفات المطروحة.
- ضمن بورد الصندوق الذي يحوي ممثلين عن الوكات الأممية والمنظمات الدولية والمنظمات المحلية، تم اعتبار شمال شرق سوريا ممثل بصوت، وشمال غربها ممثل بصوت، الأمر الذي يعني استحالة التأثير على قرار البورد، الذي تم حصر صلاحياته رغم ذلك بالأمور التقنية فقط.
- لقد تجاهلت الإستراتيجية أهمية أن تكون احتياجات كل “منطقة سيطرة” محددة بالتشاور مع المنطقة نفسها، بالتالي عدم إمكانية أن يلعب قطاع عنتاب المسؤول عن شمال غرب سوريا، دورا أساسيا في تقييم الاحتياج لضمان توزيع عادل حسب حاجة السكان. أي أن تقييم الاحتياج سيكون ضمن مسؤوليات المنسق الإنساني/المنسق المقيم في دمشق فقط. بناء عليه ستذهب نسبة كبيرة من الأموال لحكومة الأسد. المخاوف نفسها تنسحب على مناطق شمال شرق سوريا.
- التخوف من أن تمهد هذه الاستراتيجية لتسويغ عملية إعادة الإعمار قبل الاتفاق على الحل السياسي.
- أن يكون الصندوق أداة لإعادة مناطق شمال غرب تحت سيطرة النظام السوري، بحجة ضرورة التنسيق مع النظام لتنفيذ المشاريع.
مقاربة IV
هيئة التفاوض السورية
بحسب هيئة التفاوض فإن الصندوق هو عملية التفاف على القرارات الدولية ومحاولة للتطبيع مع النظام السوري، لكن دول مثل فرنسا وأميركا أعربت عن رفضها المشاركة في الصندوق.
الخيارات المطروحة من قبل هيئة التفاوض:
- رفض إقرار الصندوق بشكل كامل.
- في حال إقرار الصندوق يجب المطالبة بالنقاط التالية:
- ضرورة اختيار مكان حيادي لإدارة الصندوق- جنيف
- وجود جهتين رسميتين في إدارة الصندوق تمثلان سوريا “معارضة ونظام” أو منظمات فاعلة.
- ضمان التوزيع العادل لموارد الصندوق.
- توصيف واضح يبين معنى التعافي المبكر واختلافه عن إعادة الإعمار
مما سبق نستطيع القول إن الموقف السوري المعارض ينقسم إلى:
- أطراف ترفض الصندوق وتعتبره التفافا على حق السوريين في الحل السياسي، وبوابة لإعادة الإعمار دون شروط.
- أطراف تتفق مع الصندوق لكن بشروط ضمان التوزيع العادل والإدارة المشتركة واستراتيجيات وطنية في مجال التعليم والصحة وغيرها.
- وبطبيعة الحال هناك أطراف ومنظمات أخرى قد تُعتبر موافقة ومستعدة لفتح مكاتب مرخصة في دمشق.
بعد سرد المقاربات السابقة تجاه صندوق التعافي المبكر، يمكن لنا التركيز على بعض الشروط فيما لو كان صندوق التعافي قرارا وشيكا:
- المشاركة الفعالة للأطراف السورية في إدارة فعاليات الصندوق من الناحية الإدارية والفنية (ضمان تمثيل الأطراف السورية في إدارة الصندوق) مع تطبيق مبادئ الحوكمة المتمثلة في المشاركة والشفافية والمساءلة.
- التأكيد على إمكانية تعديل المحاور الأساسية المكونة للاستراتيجية بما يتماشى مع متطلبات واحتياجات كافة المناطق في الجغرافية السورية.
- تحديد آليات وأدوات اتخاذ القرار في إدارة الصندوق بما يتماشى مع مبدأ المشاركة في اتخاذ القرار، وألا تنفرد جهة باتخاذ القرارات أو أن يكون لها صلاحية اتخاذ القرارات النهائية. أي يجب أن يكون القرار داخليا SSG قرارا ديمقراطيا وليس قرارَ منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا “آدم عبد المولى”.
أخيرا..
صندوق التعافي المبكر هو مبادرة يدعمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ويركز على التنمية المستدامة والمساعدة في إعادة الإعمار والتعافي بعد الأزمات. أي أنه يتولى تمويل وإدارة مشاريع طويلة الأجل تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة، بما في ذلك مبادرات التعافي المبكر التي تهدف إلى مساعدة المجتمعات على إعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات بعد الصراعات والكوارث.
بينما يركز مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) على تنسيق الجهود الإنسانية الطارئة وتقديم المساعدات في حالات الأزمات والكوارث.
وهنا ترشح بعض الأخبار عن مساعي الأوتشا لتكون الراعي الرسمي للصندوق، وهذا يعني “إن صح” أن العملية ستخضع لضغوط إضافية ذات طبيعة إدارية وتوظيفية..