في ظلّ الظروف الراهنة التي تمرّ بها سورية، تبرز الحاجةُ الملحة إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة وتعزيز مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد. وإحدى الأدوات الأساسية لتحقيق ذلك هي مبادرات المساءلة المجتمعية. فمن خلال هذه المبادرات يمكن للمواطنين لعب دور فاعل في مراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها على أفعالها.
سنناقش في هذا المقال أهمية مبادرات المساءلة المجتمعية في سورية، ونسلط الضوء على بعض الأمثلة على هذه المبادرات، كما سنُناقش التحديات التي تواجهها.
تعريف المساءلة:
يمكن تعريف المساءلة على “أنها التزام أصحاب السلطة بالمحاسبة على أفعالهم أو تحمل المسؤولية عنها. ويشير مصطلح “أصحاب السلطة” إلى أولئك الذين يملكون السلطة السياسية أو المالية أو غيرها من أشكال السلطة، ومن بينهم مسؤولون في الحكومة والشركات الخاصة والمؤسسات المالية الدولية ومنظمات المجتمع المدني”.1
تعريف المساءلة المجتمعية:
يتم تعريف المساءلة المجتمعية على أنها نهج نحو بناء المساءلة التي تعتمد على المشاركة المدنية، أي حيث يشارك المواطنون ومنظمات المجتمع المدني بشكل مباشر أو غير مباشر في فرض المساءلة.2
والمعنى العملي لهذا البيان هو أنه إذا تم تمكين المجتمع المدني فإن مبادرات المساءلة الاجتماعية يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في مكافحة الفساد. والهدف النهائي هو جعل المسؤولين الحكوميين ومقدمي الخدمات؛ مسؤولين بشكل مباشر أمام المجتمعات التي يخدمونها. ويتطلب ذلك مشاركة المواطنين في أداء أنشطة معينة مثل تقييم جودة الخدمات المقدمة.
ومن أهم أسباب تشكيل مبادرات المساءلة المجتمعية في سورية:
تعزيز الوعي لدى الناس.
تحسين التركيز على تقديم الخدمات العامة.
التأكيد على احتياجات الفئات الضعيفة.
المطالبة بالشفافية ومكافحة الفساد.
في سورية تكتسب مبادرات المساءلة المجتمعية أهميةً خاصةً لعدة أسباب:
الحرب: أدت الحرب إلى تراجع كبير في المساءلة والحكم الرشيد، مما أدى إلى تفشي الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.
فقدان الثقة في المؤسسات: أدى الصراع إلى فقدان الثقة في المؤسسات الحكومية، مما خلق حاجة ماسة لآليات مساءلة جديدة.
أمثلة على مبادرات المساءلة المجتمعية في سورية:
المبادرات الإعلامية: تلعب وسائل الإعلام دوراً هاماً في كشف الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، وتُساهم في نشر الوعي حول أهمية المساءلة.
المبادرات المدنية: تعمل العديد من المنظمات المدنية في سورية على تعزيز المساءلة من خلال رصد انتهاكات حقوق الإنسان، وتقديم الدعم القانوني للضحايا، وتنظيم حملات توعية حول أهمية المساءلة.
المبادرات القضائية: للقضاء دور هام في محاسبة المسؤولين عن الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، وفي تعزيز سيادة القانون.
أهمية مبادرات المساءلة المجتمعية:
الهدف من أي مبادرة للمساءلة الاجتماعية هو المساهمة في إقامة علاقة أكثر تعاونية بين مقدمي الخدمات والمواطنين، حيث يكون لدى مقدمي الخدمات حافز لتقديم خدمات جيدة ويكونوا مسؤولين تجاه المواطنين.
وفيما يلي بعض النقاط الرئيسية حول أهميتها:
الشفافية: تساعد مبادرات المُساءلة على ضمان شفافية المؤسسات الحكومية والمسؤولين الحكوميين بشأن تصرفاتهم وقراراتهم واستخدامهم للموارد العامة. ومن خلال الكشف عن المعلومات لعامة الناس، تستطيع الحكومات تعزيز الثقة والشرعية، حيث يستطيع المواطنون تحميلها المسؤولية عن أفعالها.
الحد من الفساد: الشفافية والمساءلة ضروريتان لمنع الفساد داخل المؤسسات الحكومية. وتساعد آليات المساءلة مثل عمليات التدقيق، وهيئات الرقابة، وحماية المبلغين عن المخالفات، على كشف الممارسات الفاسدة وردعها، مما يضمن استخدام الموارد العامة بفعالية ولصالح المجتمع.
تعزيز الحكم الرشيد: تساهم مبادرات المساءلة في تعزيز ممارسات الحكم الرشيد، بما في ذلك الالتزام بسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، والاستجابة لاحتياجات المواطنين واهتماماتهم. ومن خلال مساءلة المسؤولين الحكوميين عن أفعالهم، تساعد آليات المساءلة على منع إساءة استخدام السلطة وتعزيز المساءلة.
تعزيز ثقة المواطنين: من الأرجح أن يشارك المواطنون في المشاركة المدنية، مثل التصويت والدعوة، عندما يعتقدون أن أصواتهم ستُسمع وأن المسؤولين الحكوميين سيخضعون للمساءلة عن أفعالهم.
تعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية: من خلال مساءلة الحكومات عن تلبية احتياجات السكان المهمشين والضعفاء يمكن لآليات المساءلة أن تساهم في الحد من عدم المساواة وتعزيز التنمية الشاملة.
بناء الثقافة الديمقراطية: تساهم مبادرات المساءلة في بناء ثقافة المساءلة والمشاركة المدنية داخل المجتمع. ومن خلال تمكين المواطنين من مساءلة المسؤولين الحكوميين تعمل آليات المساءلة على تعزيز القيم الديمقراطية مثل المشاركة والشفافية والمساءلة.
إن آليات المساءلة الفعالة ضرورية لضمان خضوع الحكومات للمساءلة أمام مواطنيها، وأن الديمقراطية تفي بوعدها بالحكم المستجيب والخاضع للمساءلة.
عقبات في طريق مبادرات المساءلة المجتمعية:
القيود الأمنية: يواجه الناشطون في مجال المساءلة المجتمعية مخاطر أمنية كبيرة، بما في ذلك الاعتقال والمضايقات والعنف.
النقص في الموارد: تفتقر العديد من مبادرات المساءلة المجتمعية إلى الموارد اللازمة لتنفيذ أنشطتها بشكل فعال.
البيئة القانونية غير المواتية: قد تقيّد القوانين واللوائح حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، مما يعيق عمل مبادرات المساءلة المجتمعية.
خاتمة:
مبادرات المساءلة المجتمعية ليست مجرد أدوات لمكافحة الفساد وتحقيق العدالة، بل هي عنصر أساسي في بناء مجتمع ديمقراطي يستند إلى قيم الشفافية والعدالة والمشاركة السياسية. وفي سورية، حيث تواجه التحديات الكبيرة، يمكننا من خلال تعزيز المساءلة ضمان حصول جميع السوريين على حقوقهم الأساسية، وإيجاد بيئة آمنة وعادلة للجميع.
المراجع:
- The World Bank, SOCIAL ACCOUNTABILITY; An Introduction to the Concept and Emerging. https://documents1.worldbank.org/curated/en/327691468779445304/pdf/310420PAPER0So1ity0SDP0Civic0no1076.pdf
- Baez Camarg, Claudia. (2016). Social accountability: A practitioner’s handbook. https://baselgovernance.org/sites/default/files/2019-02/social_accountability_a_practitioners_handbook.pdf